٤. العمل الرمزي من المبادئ الأساسية في المنظمة المريمية، أنه يجب أن تُبذَل أقصى الجهود في كل عمل. فسواء كان هذا العمل سهلاً أو صعباً يجب أن يتم بروح مريم.
وهناك مبدأ آخر له أهمية كبرى. ففي الشؤون والمشاريع الروحية لا يمكن تحديد الجهد المطلوب. ففي التعامل مع النفس، ما الحد الذى يمكن أن يقال عنده “هذا يكفي”؟ وبالطبع فهذا المبدأ يُطبّق بقوة معينة على الأعمال الأكثر صعوبة. فنجد أنفسنا فى مواجهتها نُضخّم الصعوبة، ونلف وندور حول كلمة “مستحيل”. في حين أن معظم “المستحيلات” ليست مستحيلة على الإطلاق. فلذوى المهارة والإجتهاد فإن أموراً قليلة جداً قد تستعصيهم أو تكون مستحيلة. لكننا نتصورها مستحيلة، ونجعلها كذلك بتصرفاتنا.
إلا أننا أحياناً نواجه أعمال مستحيلة بالفعل، أي تفوق الجهد البشري. فإن تُرِكَت هذه الأعمال لوسائلنا البشرية، فإننا سنمتنع عن القيام بأي عمل قد يبدو لنا بلا جدوى، خصوصاً في مثل هذه الحالات التي قد تكون مستحيلة حقاً أو تخيّلناها كذلك. ومعنى ذلك أننا لن نقوم بثلاثة أرباع الأعمال الأكثر أهمية التي يجب القيام بها - مما يؤدي إلى تحجيم نطاق الجهاد المسيحي، في حدود معركة تقليدية. فأسلوب اﻠﻠﭽيو ماريا يتطلب الجهد الكامل في كل الأحوال، ومهما تكلف الأمر - فالجهد هو المبدأ الأول. فإنكارنا لوجود المستحيلات هو المفتاح لكل ما هو ممكن، وذلك في النظامين الطبيعي والفائق الطبيعة على حد سواء. وهذا الإعتبار وحده قادر على حل المشاكل. وبإمكانه أن يفعل أكثر من ذلك، لأنه حقاً إصغاء لصوت الإنجيل القائل لا مستحيل مع الله. وهو أيضاً جواب الإيمان على دعوة سيدنا يسوع المسيح لنقل الجبال وطرحها في البحر.
فمن فكر في الفتوحات الروحية، ولم يجعل روحه أكثر صلابة في إتجاه هذا السلوك الذى لا يُقهَر، كان تفكيره خيالاً ووهماً.
وتقديراً لذلك، فإن المنظمة جعلت همّها الأكبر هو تقوية روح أعضائها.
يقول شاعر مريمي: “إن كل مستحيل يمكن تجزءته إلى تسع وثلاثين خطوة، كل واحدة منهم ممكنة.” إنه إعلان لشعار مريمى على الرغم مما فيه من تناقض ذاتى. إلا أن تلك الفكرة على جانب عظيم من الحكمة والعقل. إنه أساس الإنجاز، وفيه تتلخص فلسفة النجاح. فإذا إندهش الفكر في التأمل فيما يبدو مستحيلاً، فإن الجسم يسترخي في خمول عاطفي. وفي مثل هذه الأحوال تتحول كل صعوبة إلى أمر مستحيل. أما إذا تم مواجهتها بالشعار الحكيم الذي ينصح بتقسيمها إلى أجزاء؛ قسّمها فتتغلب عليها. فإنك لا تستطيع بقفزة واحدة أن تصل إلى أعلى البيت، لكنك تستطيع أن تصل إليه إذا صعدت السلم درجة درجة. كذلك الأمر عندما تدخل في صعوبة ما، فإبدأ بالخطوة الأولى. فلا داعي لأن تقلق للخطوة الثانية؛ ركّز جهدك كله على الخطوة الأولى. ومتى إجتزتها برزت الثانية تلقائياً ودون تأخر. فإجتزها أيضاً، وستظهر لك الثالثة ثم الرابعة .. وبعد بضع مراحل - ربما بدون التسع والثلاثين كلها كما فى الشعار، الذى هو مجرد مثل يحتفظ به الذهن - ستجد أنك قد عبرت بوابات المستحيل ودخلت أرض الميعاد. لاحظ: إن التركيز يكون على العمل. فأياً كانت درجة الصعوبة فلا بد من أخذ الخطوة الأولى. وبالطبع يجب أن تكون تلك الخطوة فاعلة بقدر المستطاع. ولكن إذا لم تكن هناك خطوة فاعلة فى الأفق، فلا بد من خطوة أقل فاعلية. وإن لم تكن هذه متوفرة أيضاً، فيجب حينئذ أن يُقام بفعل معيّن، ليس مجرد الصلاة فقط، بل فعل موجه للهدف أو له صلة به، حتى ولو لم يكن له قيمة عملية ظاهرية. إن فعل التحدي الأخير هذا، هو ما تسميه اﻠﻠﭽيو ماريا “العمل الرمزي.” فاللجوء إليه ينسف المستحيل الذي يضعه خيالنا أمامنا. ومن جهة أخرى، فالعمل الرمزي يدخل، بروح الإيمان، في قتال عنيف مع ما هو مستحيل حقاً.
والنتيجة قد تكون إنهيار أسوار أريحا تلك. “فلَمَّا كانَتِ المَرَّةُ السَّابِعة، نَفَخَ الكَهَنَة في الأَبْواق. فقالَ يَشوعُ لِلشَّعْب: “اِهتِفوا، فقَد أَسلَمَ الرَّبُّ المَدينةَ إِلَيكم ... فهَتَفَ الشَّعبُ ونَفَخَ في الأَبْواق، فكانَ عِندََ سَماعِ الشَّعبِ صَوتَ البوق أَنَّ الشَّعب هَتَفَ هُتافًا شديدًا، فسَقَطَ السُّورُ في مَكانِه، فصَعِدَ الشَّعبُ إِلى المَدينة، كُلُّ واحِدٍ على وَجهِه، واستَولَوا على المَدينَة.” (يش ٦: ١٦-٢٠)
٥. يجب القيام بعمل نشيط إن المنظمة المريمية بدون روحها تحوّلت إلى جسد بلا حياة. وروح اﻠﻠﭽيو ماريا، الذي يغيّر ويبدّل كثيراً في أعضائها، ليس سابحاً في الهواء ينتظر من يستنشقه. كلا! بل هو روح محيي وليد النعمة المكتسبة بالجهد الشخصي. فهو يعتمد على العمل المُقام به، وعلى طريقة تنفيذ هذا العمل الذي يقوم به كل عضو فرديّاً. فإن لم يكن في عمل اﻠﻠﭽيو ماريا جهد ونشاط، فالروح يضطرب ويضعف وقد يموت. فبسبب (أ) شعور الأعضاء بنفور من مباشرة أى عمل يعتبرونه صعباً؛ (ب) أو العجز عن إدراك ماهية العمل الذي يتواجد بوفرة حتى في أصغر الأماكن؛ (ج) والأهم من ذلك الخوف من الإنتقادات المعادية؛ قد يكون هناك الميل إلى تجنب العمل النشيط، وتوزيع مهمات بسيطة على الأعضاء. ولكن الجميع متيقظين إلى أن آلية اﻠﻠﭽيو ماريا مُصمَمَة للإشراف على عمل جوهري نشيط. فلا مبرر لإنشاء المنظمة على الإطلاق، إذا لم يتم مباشرة مثل هذا العمل. لأن الجيش الذي يرفض أن يخوض المعركة، هناك خطأ في تسميته جيشاً؟ وكذلك فإن أعضاء الفرقة الذين لا يقومون بأعمال نشيطة وجوهرية، لا يحق لهم أن يحملوا لقب اﻠﻠﭽيو ماريا. ونكرر القول أن الشعائر التقوية لا تغني عن واجب عضو اﻠﻠﭽيو ماريا بالقيام بعمل نشيط. إن الفرقة الخاملة ليست فقط غير مخلصة لأهداف اﻠﻠﭽيو ماريا التي تتطلب إظهار رجولة رسولية في العمل، بل قد إرتكبت ظلماً فادحاً بحق المنظمة. وذلك لأن مثل هذه الفرقة تخلق إنطباعاً عند الناس، بأن اﻠﻠﭽيو ماريا عاجزة عن القيام ببعض الأعمال، في حين أنها، رغم قدرتها الكاملة، لم تُوظَّف أصلاً لهذه الأعمال.
٦. مراقبة العمل من قِبَل الفرقة إن الفرقة هي التي تُكلف الأعضاء بالعمل. وهم بدورهم ليسوا أحراراً في القيام، بإسم الفرقة، بأي عمل يظنون أنه ملائم. غير أنه يجب عدم أخذ هذه القاعدة بصلابة تمنع العضو من إنتهاز أي فرصة لعمل خير قد يعترض طريقه. في الواقع، يجب على كل عضو من اﻠﻠﭽيو ماريا أن يَعِدّ نفسه دائماً في الخدمة. فإذا إلتقى العضو صدفة بعمل خارج نطاق الفرقة، يمكنه أن يقدم تقريراً عن هذا العمل خلال إجتماع الفرقة، فإذا قبلته الفرقة وتبنته، صار عملاً من أعمالها. ولكن في ذلك كله، على الفرقة أن تأخذ جانب الحذر. لأن عدداً كبيراً من الأشخاص ذوي النية الحسنة، يدفعهم ميل طبيعي إلى الإهتمام بكل شيء، ما عدا ما هو مفروض عليهم، ويسعون وراء كل عمل ما عدا العمل المُحَدَد لهم. وهؤلاء الأشخاص قد يُقدمون عملاً يؤذي أكثر مما ينفع، وإن لم يتم كبحهم فقد يقوم عملهم هذا على تدمير نظام المنظمة. إذا تزعزع إحساس العضو بمسؤوليته نحو الفرقة، التي تتضمن أن يخرج العضو من الفرقة كرسول مُزَوّد بتعليمات محددة، ويعود إليها بتقرير عن المهمة الموكلة إليه، فإنه سرعان ما يتوقف العمل، أو يصبح مصدر خطر للفرقة. وإذا نشأ عن هذا العمل المستقل خطأ مؤسف، فإن اللوم سيقع على الفرقة، رغم أن الخطأ بسبب عدم التقييد بنظامها.
وإذا إشتكى بعض الأعضاء المتحمسين من أن النظام الصارم يعيق جهودهم في عمل الخير، فمن المستحسن أن يتم تحليل الموقف فى ضوء ما ذُكِرَ سابقاً. ولكن، من المهم التأكد من أن شكواهم ليست في محلها. لأن الغاية الأساسية من النظام هي دفع الأعضاء إلى العمل، لا إعاقتهم عن ممارسة الخير؛ ولكن هناك بعض الأشخاص الذين يعتقدون أنه لا يمكن ممارسة السلطة إلا بإستعمال كلمة “لا”، وهكذا يتصرفون بتقييد كل نشاط.
٧. قيام إثنين معاً بالزيارة يصون نظام اﻠﻠﭽيو ماريا يجب أن تتم الزيارات من قِبَل إثنين من الأعضاء. فمن خلال هذه التوصية ترجو المنظمة تحقيق الأغراض التالية: أولاً، حماية الأعضاء من الأخطار. لأنه عادة تكون الزيارات المنزلية أكثر من زيارات الشوارع، والزيارات المنزلية هي التي تتطلب مثل ذلك الحذر. ثانياً، لأن الزيارة التي يقوم بها إثنان معاً تكون مصدر تشجيع متبادَل. فهي تساعد على التغلب على الخجل الطبيعي أو الحياء البشري، وخاصة عند زيارة الأماكن الصعبة أو البيوت التي يتعرض فيها الزائر إلى إستقبال غير ودّي. ثالثاً، لأن الزيارة بهذه الطريقة تختم عمل العضو بختم النظام. إذ تضمن الدقة فى المواعيد والإخلاص في إتمام الزيارة المحددة. لأن العضو، إذا تُرِكَ وحده، تعرض بسهولة لتغيير موعد الزيارة الإسبوعية، أو تأجيلها كلياً. كذلك فإن التعب، والطقس الرديء، والنفور من مواجهة الإستقبال السيئ، تؤثر بسهولة في العضو، إن لم يكن على موعد مُعَيّن مع عضو آخر. وتكون النتيجة أن تسود تلك الزيارات الفوضى، وعدم الإنتظام، والفشل، وفي آخر المطاف تُهمَل نهائياً.
وفي حالة تقصير العضو المُرافِق في المحافظة على الموعد المحدد، جرت العادة أن يقوم العضو الثاني بما يلي: إذا كان العمل المطلوب هو زيارة مستشفى، أو أي عمل آخر يبدو واضحاً أن لا خطر فيه، فيستطيع العضو المضي به وحده، أما إذا كان العمل المطلوب سيضع العضو في ظروف صعبة، أو يقوده إلى أماكن مشبوهة، عندها عليه أن يمتنع عن هذه الزيارة. ومن المفهوم أن السماح بإتمام العمل فردياً هو أمر إستثنائي. ويجب على الفرقة أن تهتم جدّياً بأمر العضو الذي تتكرر مخالفته للمواعيد. إن فريضة قيام إثنين من أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا بالزيارة معاً، لا تعني أنهما ملتزمان بالتحدث معاً إلى نفس الأشخاص. فإذا كانت الزيارة مثلاً لأحد المستشفيات، فمن باب الترتيب والنظام أن يتوجه كل عضو منفرداً، فيكرسا إهتمامهما لأشخاص مختلفين. ٨. يجب المحافظة على طبيعة الخصوصية لعمل كل عضو مريمي يجب أن تحذر الفرقة من خطر أن يستغلها مصلحون إجتماعيون من ذوى الحماسة الزائدة. فإن عمل اﻠﻠﭽيو ماريا هو في جوهره عمل خفي. فهو يبدأ في قلب كل عضو مريمي، فيُنَمي فيه روح الغيرة والمحبة. فبإتصاله الشخصي المباشر بالآخرين، يرفع العضو المستوى الروحي للجماعة بأسرها. فهو يقوم بالعمل بهدوء وإحساس وبشكل خفى. يهدف عمله أولاً إلى النفاذ فى المجتمع بالعواطف والمبادئ الكاثوليكية، لا إلى القمع المباشر للشرور الجسيمة، فبهذه الطريقة يزول الشر من تلقاء نفسه، لأنه لا يجد التربة الملائمة لنموه. فالنصر الحقيقي في نظر المنظمة في تنمية وتوسيع نطاق الحياة والأفكار الكاثوليكية، بطريقة ثابتة ومستمرة حتى ولو كانت في بعض الأحيان بطيئة بعض الشيء. لذلك من المهم أن يتم الحفاظ على خصوصية الزيارات المريمية بغيرة تامة. ويستحيل ذلك، إذا شاع عن الأعضاء أنهم يُفتشون عن المفاسد ليُشهروها أمام العامة. وحينئذ لن تطمئن العائلات كثيراً إلى زيارات الأعضاء لمنازلهم ولا حتى لأنشطتهم العامة. فبدلاً من أن يعاملوهم كأصدقاء جديرين بالثقة الكاملة، ستحيطهم الشكوك، ويُعتبرون جواسيس يعملون لمصلحة منظمتهم. وعندها سيصير الإستياء من وجودهم أمراً حتمياً، وهذا يرسم نهاية عمل المنظمة الحقيقي. إذاً فليحرص المسؤولون عن إدارة أعمال المنظمة بأن لا يقرنوا إسم المنظمة بمشاريع قد تكون صالحة في ذاتها، ولكنها تستعمل أساليب تختلف كل الإختلاف عن الأساليب المريمية. هناك منظمات خاصة غايتها مكافحة الفساد وسوء المعاملة المعاصر. يمكن لأعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا أن يستفيدوا منها إذا دعت الحاجة إلى ذلك، بل ويمكنهم أن يقدموا مساعدتهم بإمكانياتهم الخاصة، ولكن لابد ﻠﻠﭽيو ماريا من أن تبقى أمينة على تقاليدها وأساليبها الخاصة في العمل. ٩. الزيارات من بيت إلى آخر مُستحبّة يجب أن تكون زيارات أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا، على قدر المستطاع، من بيت إلى آخر، بغض النظر عن سكّان تلك البيوت. فمن الممكن أن تؤخذ على محمل الإهانة إذا ظن بعضهم أن تخصيصهم بالزيارة هو للفت النظر إليهم.
ويُستحسن ألاّ تُهمَل زيارة بيوت غير الكاثوليك – إلا لأسباب بالغة الأهمية تمنعهم من ذلك - ويجب أن لا يكون الإقتراب من هؤلاء بقصد المجادلة الدينية، بل لإنشاء علاقات صداقة معهم. فإذا شاعت الكلمة بأنه تتم زيارة جميع البيوت للتعرف على ساكنيها، فإن ذلك سيجعل كثيرين من غير الكاثوليك يستقبلونهم إستقبالاً ودياً ولطيفاً، وقد تستخدم العناية الإلهية هذا الظرف كأداة لسكب النعمة على “الخراف الأخرى” التي ترغب في إنضمامها إلى الحظيرة. كما أن إنشاء علاقات صداقة بين غير الكاثوليك والكاثوليك الممارسين للرسالة، سيُبدِد الأحكام المسبقة الكثيرة، والإحترام الذي ستشعر به هذه النفوس نحو الكاثوليك سيتبعه بلا شك إحترام للكثلكة نفسها. وقد تطلب هذه النفوس معلومات أو كتباً، ومن هذا كله ستأتي أمور عظمية.
١٠. ممنوع توزيع أية إعانات مادية يجب ألاّ توزّع اﻠﻠﭽيو ماريا أية إعانات مادية - حتى بأبسط الطرق؛ والخبرة تعلمنا بأنه من الضروري التذكير بأن الثياب القديمة تنتمي إلى هذه الفئة.
إن المنظمة بفرضها هذه القاعدة، لا تحتقر المساعدات المادية بحد ذاتها، وإنما تعلن أنها تمتنع عن منحها. إن الإحسان إلى الفقراء عمل صالح. والقيام به لسبب فائق الطبيعة عمل جليل جداً. وكثير من الجمعيات الكبرى قد تأسست على هذا المبدأ؛ وخاصة جمعية القديس منصور دي بول الخيرية، حيث تعلن اﻠﻠﭽيو ماريا فضل تلك الجمعية عليها في مثالها وروحها، لدرجة يمكننا القول إن جذور اﻠﻠﭽيو ماريا راسخة ومتأصلة في تربة هذه الجمعية. غير أن ﻠﻠﭽيو ماريا حقل عمل آخر مختلف. فنظامها مبني على جلب الخير الروحي لكل فرد في المجتمع. وهذا النظام لا يتفق، من الناحية العملية، مع نظام تقديم الإعانات المادية لعدة أسباب، منها:
(أ) من النادر أن يُرحّب الأشخاص الذين هم في غنى عن أية مساعدة مادية، بالزائرين من أعضاء الجمعيات الخيرية. لأنهم يخشون أن يحسبهم الجيران بحاجة إلى مساعدات مادية. وهكذا فإن الفرقة التي يَشيع عنها أنها توزّع إعانات مادية، لا يلبث أن يضيق نطاق نشاطها بشكل متزايد. قد يكون تقديم المساعدات المادية هو مفتاح الدخول لكثير من الجمعيات الخيرية. إلا أنه المفتاح الذي تغلق به اﻠﻠﭽيو ماريا نفسها خارجاً.
(ب) إن أولئك الذين يتوقعون الحصول على إعانات مادية، وتخيب آمالهم، تصبح جهود اﻠﻠﭽيو ماريا عديمة التأثير فيهم.
(ج) حتى بين أولئك الذين يتقبّلون الإعانات، فلن تنجز اﻠﻠﭽيو ماريا خيراً روحياً عن طريق إعطائهم. فلتترك المنظمة هذا الأمر إلى الجمعيات التي تخصصت لهذا العمل، والتي لها نعمة خاصة بسببه. أما أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا فلن يكتسبوا أية نعمة من هذا العمل، لأنه كسر لقوانينهم. والفرقة التي تنزلق في هذا الطريق، ستجد نفسها متورطة في تعقيدات مؤسفة، ولن تجلب للمنظمة سوى الحزن والأسى. قد يدافع بعض الأعضاء بقولهم أن ذلك هو واجب كل إنسان، أن يُحسن ويتصدق بوسائله الخاصة، وقد يؤكدون بأنهم لا يرغبون بإعطاء المعونات المادية بصفتهم أعضاء في المنظمة، بل بصفة شخصية ومن إمكانياتهم الخاصة. إن تحليل هذه الحجة سيدل على التعقيدات التي ترافقها بلا محال. فلنفرض هذه الحالة - وهو ما يحدث عادة – شخص لم يكن قد إعتاد توزيع الإعانات قبل إنضمامه إلى اﻠﻠﭽيو ماريا. وفي جولاته، يُصادف أشخاصاً يعتقد أنهم بحاجة إلى مساعدة بشكل أو بآخر. فيمتنع عن إعطائهم شيئاً في يوم زيارته الرسميّة لهم كعضو فى اﻠﻠﭽيو ماريا، لكنه يذهب إليهم في يوم آخر “كفرد عادي من الناس”، ويعطيهم. إنه بكل تأكيد يخالف بذلك قوانين المنظمة التي تمنع الإعانات المادية. ولا شك أن هذه الزيارة المزدوجة هي تغطية لعملية المراوغة. فقد قام بالزيارة الأولى بصفته عضواً فى اﻠﻠﭽيو ماريا. وتَعَرّف على هذه القضية بصفته عضواً فى اﻠﻠﭽيو ماريا. وتلك العائلة تعرف أنه عضو فى اﻠﻠﭽيو ماريا؛ ومن المؤكد أنهم لن يفطنوا إلى مراوغته. وبكل بساطة سيعتبرون الإعانة التي أعطيت لهم هي من اﻠﻠﭽيو ماريا، والمنظمة عندئذ ستُقِر بإنهم قد حكموا بالصواب.
ولنتذكر جيداً أن مخالفة أو عصيان عضو واحد في هذا الإتجاه، يضع الفرقة كلها موضعاً للشبهة. لأنه سرعان ما تنتشر فكرة توزيع الإعانات. فلا حاجة إلى مئة حالة، إثنتان تفيان بالغرض.
أمّا إذا إضطر أحد الأعضاء لتقديم مساعدة لسبب من الأسباب، فلماذا لا يوفّر على اﻠﻠﭽيو ماريا كل التعقيدات، فيُقدم الإعانة سراً بواسطة أحد أصدقائه أو بواسطة إحدى الجمعيات الملائمة؟ فإن لم يقم بذلك، فهذا يدل على أنه يطلب مجداً دنيوياً باطلاً، لا مكافأة سماوية على عمل الرحمة الذي يقوم به.
وعلى أية حال، لا يمكن أن يتغاضى أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا عن حالات الفقر المادّي التي ستصادفهم لا محال، أثناء زياراتهم، وعليهم أن يلفتوا إليها إنتباه الجمعيات المتخصصة لهذه الغاية. فإذا فشلت جهودهم في تأمين المساعدة المطلوبة، فليس من واجب اﻠﻠﭽيو ماريا أن تملأ ذلك الفراغ. ليس هذا من تخصصها، كما أنه ليس من المستحيل أن نتخيّل أي المجتمعات المعاصرة تخلو من أشخاص أو جمعيات تأخذ على عاتقها مساعدة المحتاجين.
“إن الشفقة التي نظهرها للفقراء بسداد إحتياجاتهم، هو، بلا شك، ما أوصانا به الله. ولكن، من يُنكر سمو المكانة التى تُقيمها تلك الغيرة والجهود التي نبذلها بتعليمنا ونصائحنا لننعم على النفوس، لا منافع أرضية زائلة، بل خيرات تدوم إلى الأبد”. (تعليم العقيدة المسيحية، القديس البابا بيوس العاشر، ١٩٠٥).
كما أظهرت لنا الحالات الكثيرة أنه يمكن تفسير هذه القاعدة بشكل محدود جداً، لذلك من المهم التصريح بأن أعمال الخدمة لا تعني تقديم المعونات المادية. بل يُنصح بها. فهم يضعون جانباً إتهاماتهم، بأن أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا يحددون أنفسهم بالكلام الديني، ولا يهتمّون بإحتياجات الناس المادية. وهنا على الأعضاء أن يُبرهِنوا على شفافية وصدق أقوالهم، من خلال سكب حبهم وخدمتهم تحت كل شكل مسموح به. ١١. جمـع التبرعـات أمر آخر يشبه المساعدات المادية، ويقع تحت لائحة المحرمات، هو إستغلال الزيارات المريمية لغرض جمع التبرعات.
ذلك قد يضمن لأعضاء المنظمة الحصول على المال، ولكن لن يضمن لهم الجو الملائم لتحقيق الخير الروحي المنشود، فيجسد ذلك مثلاً رائعاً للسياسة المعروفة بـِ “فلس حكيم خير من دينار أحمق”. ١٢. لا سياسة في اﻠﻠﭽيو ماريا لا يُسمح لأية هيئة في اﻠﻠﭽيو ماريا مطلقاً، بإستغلال نفوذها أو مراكزها، لخدمة أي هدف سياسي أو مساعدة أي حزب سياسي. ١٣. البحث عن كل نفس والتحدث إليها إن جوهر العمل المسيحي هو الرغبة بالوصول إلى كل فرد، وبإدخال، إلى داخل دائرة الرسالة، ليس مجرد المُهْملين فقط، ولا المؤمنين المواظبين وحدهم، وليس الفقراء أو البؤساء، بل الجميع.
إن أقبح وجوه الإهمال الديني يجب ألا تخيف أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا. فما من إنسان مهما كان متروكاً، أو يعطى إنطباعاً بأنه ميئوساً منه، لن يُثمِر فيه إيمان وشجاعة ومثابرة أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا. غير أن هذا لا يعني أن رسالة اﻠﻠﭽيو ماريا محصورة في معالجة الشرور الخطيرة فقط. إن للبحث عن الخروف الضال أو الواقع بين يدى سارق، جاذبية خاصة، ولكنه يجب ألا تُغلَق عيني اﻠﻠﭽيو ماريا عن واقع وجود حقل أوسع للعمل من أجل تلك الجموع، التي رغم أن الله دعاها إلى حياة القداسة، إلا أنها إكتفت بتأدية الواجبات الرئيسية فقط. أما الآن، فإن محاولة دفع الأشخاص، الذين إكتفوا بتأدية تلك الواجبات فقط، إلى سلوك طريق الغيرة والعبادة، لن تنجح إلا بزيارات طويلة ومستمرة، والتي تحتاج إلى صبر كبير. ولكن إذا صح قول الأب فابر بأن قديساً واحداً يساوي مليوناً من المؤمنين العاديين؛ وقول القديسة تريزيا الأفيلية بأن نفساً واحدة ليست قديسة، ولكنها تسعى في طلب القداسة، هي في عيني الرب أثمن من ألوف النفوس التي تحيا حياة عادية، فما أعظم سعادة من يقود الخطوة الأولى التي يخطوها الكثيرون في مسلك يختلف عن المسلك العادي. ١٤. ما من أحد سيء جداً بحيث لا يمكن الرقي به؛
وما من أحد هو صالح جداً علينا ألا نترك أحداً من الذين نصادفهم في زياراتنا في نفس المستوى الذي وجدناه فيه. إذ ما من أحد قد بلغ أعلى درجات الصلاح، بحيث لا يمكنه الإقتراب أكثر من الله. وكثيراً ما سوف يلتقي أعضاء المنظمة بأشخاص أكثر منهم قداسة لحد بعيد، إلا أن ذلك يجب ألا يشككهم في قدرتهم على تحقيق خير عظيم. إذ يمكنهم أن يعرضوا أفكاراً جديدة، وعبادات جديدة. كما ويمكنهم أن ينعشوا الحياة الرتيبة الروتينية. ومن المؤكد أنهم لن يفشلوا في البناء من خلال ممارستهم البهيجة للحياة الرسولية. لذلك، سواء كان إتصال الأعضاء بأُناس قديسين أو خطأة، فليمضوا في طريقهم، بكل ثقة لعلمهم بأنهم لا يقومون بمهمتهم من واقع فقرهم الروحي، ولكن كممثلين لمنظمة مريم، ﻠﻠﭽيو ماريا “متحدين برعاتهم، وأساقفتهم، والكرسي الرسولي، وبالمسيح.” (حول سلام المسيح في مملكة المسيح، البابا بيوس الحادي عشر، ١٩٢٢) ١٥. العمل الرسولى الغامض قيمته محدودة يجب أن يكون الهدف، في كل عمل، هو تحقيق خير واضح وكبير. يجب القيام بخير كبير لعدد كبير من الناس إن أمكن؛ وإلا، فلعدد أصغر، ولا نرضى أبداً بخير قليل لعدد كبير. فعضو اﻠﻠﭽيو ماريا الذي سلك هذا الطريق، ويكتفي بهذا الخير القليل، إنما يسيء لعمل اﻠﻠﭽيو ماريا الذي يعتبر أنه قد أتمّه، إنما هذا العمل برأي المنظمة لم يكد يبدأ بعد، ويمنع هذا دخول آخرين من الأعضاء لمساعدته. وهناك خطر آخر يكمن فى تلك الحقيقة إن لحظة تثبيط الهمة ستتمثل فى الخير القليل المقدم إلى عدد كبير من الناس، فيبدو فى الحقيقة كأنه لم يكن خيراً لأي منهم. إن هذا الشعور، بعدم فاعلية العضوية، سيضع هذه العضوية في خطر. ١٦. سر التأثير هو المحبة لا بد من التأكيد بأن الخير الشامل والحقيقي، لا يمكن تحقيقه إلا بإنشاء علاقات صداقة بين الأعضاء وبين من يذهبون إليهم. فالخير الذي يتم تقديمه بطريقة أخرى سيكون ضئيلاً أو عرضياً. لا بد من تذكر ذلك خاصة في الزيارات التي يقوم بها الأعضاء بغرض تنصيب قلب يسوع الأقدس. على الرغم من أن هذا العمل ممتاز في جوهره ومصدر بركات، إلا أنه لا يمكن إعتباره الهدف الرئيسي لتلك الزيارات. فالزيارة التي تحصل سريعاً على تنصيب القلب الأقدس، ومن ثم تنقطع، فإنها في نظر المنظمة، لم تحصد سوى جزء ضئيل من الثمار المرجوة. لذلك فإن زيارات متعددة ومطوّلة لكل عائلة، تعني تقدم بطيء من خلال إثنان من أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا، وهذا يعني الحاجة إلى المزيد من الأعضاء والمزيد من الفِرَق لتغطية العائلات كلها. ١٧. في كل شخص يعمل لأجله عضو اﻠﻠﭽيو ماريا
يرى ويخدم المسيح نفسه يجب ألا تتم الزيارات أبداً، في أي مكان كان، وفي أي حالة كانت، بروح عطف أو شفقة إنسانية محضة على المساكين قليلي الحظ. “كُلَّما صَنعتُم شَيئاً مِن ذلك لِواحِدٍ مِن إِخوتي هؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه.” (متى٢٥: ٤٠). فبهذه الكلمات المكتوبة على قلبه، يجب أن يرى عضو اﻠﻠﭽيو ماريا الرب يسوع في قريبه (أي كل البشرية بدون أي تمييز)، وأن يخدمه على هذا الأساس. فالأشرار وناكرو الجميل، والمنكوبون، والمحتقرون، والمتشردون، والذين ينفر منهم الجميع، هؤلاء كلهم يجب أن يُنظَر إليهم على ضوء هذا التعليم الجديد. فإنهم بلا شك، إخوة السيد المسيح الأصاغر (بحسب كلمات السيد المسيح)، ويجب تقديم الخدمة لهم بكل إحترام وتقدير.
ولا يغيب عن بال العضو أن زياراته لا تكون على أساس زيارة رئيس لمرؤوس، أو لشخص مساو له، بل زيارة مرؤوس لرئيسه، زيارة الخادم لسيده. إن غياب هذه الروح يُظهر الزيارة بأنها زيارة إستعلاء. فالعضو الذي تتملكه هذه الروح لن يحصل على خير فائق الطبيعة أو حتى خير فى حدود الطبيعة. وحضوره لن يُرَحّب به إلا إذا كان مُحملاً بالهدايا. أما الزائر اللطيف الودود، الذي يطلب بتواضع قبوله في البيوت التي يطرق أبوابها، فإنه يُستقبل بفرح، رغم أن هداياه ليست مادية؛ ولا يلبث أن يوطد صداقة حقيقية في ذلك البيت. ولا ينسى الأعضاء أن البساطة في الملابس واللهجة تزيل حواجز بينهم وبين الذين يزورونهم.
تابع قراءة الفصل تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح