١٨. تحب مريم إبنها وتعتني به من خلال عضو اﻠﻠﭽيو ماريا إن الكلمات التالية التي وصف بها أحد الأعضاء نجاح زياراته الصعبة وغير المستحبة: “لقد جعلناهم يحبوننا،” تلخص على نحو رائع أساليب العمل في المنظمة. فلكي ننشئ هذه المودة في الذين نزورهم، من الضروري قبل كل شيء أن نظهر محبتنا لهم. فليس هناك طريقة أخرى، أو سياسة أخرى، ولا مفتاح آخر للتأثير الحقيقي غير المحبة. ويُعبّر القديس أوغسطينوس عن هذه الفكرة نفسها بقوله: “أحبب وإفعل ما تشاء.”
في فقرة رائعة في كتابه عن سيرة القديس فرنسيس الأسيزي، كتب تشيسترتون Chesterton أكد فيها المبدأ الذي يميز الدين المسيحي، قال: “كان القديس فرنسيس لا يرى إلا صورة الله مكررة في كل مكان، متجددة دائماً لا رتابة فيها. فالإنسان في نظره إنسان دائماً، لا يمكنه أن يختفي سواء كان بين جمهور غفير، أو في صحراء موحشة. وكَرّمَ كل إنسان؛ وأبدى له لا المحبة فقط، بل الإحترام أيضاً. أما ما أعطاه قوة شخصية خارقة هو: أنه لم يكن هناك شخص واحد، من الحبر الأعظم إلى المتسول، ومن سلطان سوريا فى جناحه إلى اللصوص ذوى الهيئة الرثة المتسللين لخارج الغابة، قد نظر إلى عيني فرنسيس برناردون البنيتين إلا وكان على يقين أنه مهتم به حقاً، بحياته الشخصية الداخلية، من مهده إلى لحده، وأنه يُقدِره ويأخذه على محمل الجد.”
ولكن هل يستطيع كل شخص أن يحب على هذا النحو؟ أجل، إذا رأى في كل شخص يصادفه شخص الرب يسوع. فالحب يشتعل لمجرد التفكير به. ومجدداً، فمن المؤكد أن العذراء تريد أن تُظهِر لجسد إبنها السريّ، حباً شبيهاً بالحب الذي جادت به على جسده الحقيقي. وهي ستساعد أعضاءها على هذا الحب. فحيث تكتشف فيهم الوميض والإستعداد لهذا الحب، فإنها ستنميه وتُحوله إلى شعلة متقدة. ١٩. كل الأبواب تُفتَح في وجه عضو اﻠﻠﭽيو ماريا
المتواضع الذي يحترم غيره إن “الزيارة الأولى” تُخيف عديمي الخبرة عادة، ولكن عضو اﻠﻠﭽيو ماريا، سواء كان عضواً جديداً أو قديماً، الذي إستوعب في قلبه العنوان السابق، لديه جواز السفر الذي تُفتَح أمامه كل البيوت.
وتؤكد المنظمة دائماً أن دخول الأعضاء إلى بيوت الناس، ليس حقاً شرعياً لأحد، بل هو فقط كرم أخلاق من أصحاب تلك البيوت. ولذلك فإن التقرّب من هؤلاء الناس يجب أن يكون بإستئذان، وبمعنى آخر يجب أن يكون السلوك العام شديد الإحترام وكأنهم يدخلون قصور العظماء. يعرض الزائر هدفه أولاً ثم يستأذن في الدخول بتواضع، وهنا عادة ما يُفتَح له الباب على مصراعيه ويُدعى للجلوس. وليتذكر الأعضاء أنهم متواجدون هناك لا لإلقاء محاضرة، أو لطرح أسئلة كثيرة، بل لزرع بذور المودة التي ستفتح الطريق أمام تعاليمهم وتأثيرهم.
لقد قيل أن مجد المحبة الخاص هو فِهم الآخرين. ولا توجد حاجة أعظم في هذا العالم البائس إلا لهذه الهبة. لأن “معظم الناس يتألمون من الشعور بإهمال الآخرين لهم. فهم تعساء لأن ما من أحد يأخذ بيدهم، وما من أحد يُبدي إستعداد لسماع أسرار قلوبهم.” (دوهامل Duhamel).
يجب أن لا تؤخذ الصعوبات الأولية بجدية كبيرة. حتى ولو تعمد الناس الوقاحة في التعامل، فموقف الخضوع الوديع من قبل الأعضاء سيخجلهم وينتج فيهم، مع الزمن، أحسن الثمار. إن الإهتمام بالأطفال يُتيح فرصة جيدة للحوار. يمكن إلقاء بعض الأسئلة عن معلوماتهم الدينية وإقبالهم إلى الأسرار، الأسئلة التي قد يستاء لها الكبار فيما إذا كانت موجهة لهم، خصوصاً في وقت مبكر من الصداقة؛ أما بواسطة أطفالهم، فيمكن أن يوجهوا للأبوين دروساً فعالة.
وقبل الإنصراف يجب ترك المجال مفتوحاً لزيارة أخرى. فتلميح بسيط كسعادة العضو بالزيارة، وأنه يأمل في لقائهم مرة أخرى، يفسح المجال لإنصراف طبيعي وإعداد فعّال للزيارة المقبِلة. ٢٠. سلوك اﻠﻠﭽيو ماريا عند زيارة المؤسسات ليتذكر أعضاء المنظمة أنهم في زياراتهم للمؤسسات ليسوا إلا ضيوفاً كما في البيوت الخاصة. فإن مديري المؤسسات ينظرون دائماً نظرة شك إلى زوار المحبة الذين يأتون لزيارة النزلاء، والذين لربما ينسون أن من واجبهم مراعاة العاملين هناك والقوانين والأنظمة. فلا يجوز لعضو اﻠﻠﭽيو ماريا أن يقع في مثل هذه الأخطاء. ويجب الإنتباه ألاّ تكون الزيارة في ساعات غير مناسبة، وألا يتم إحضار أدوية أو مواداً أخرى ممنوعة للمرضى؛ ولا يجب التحيز لأحد في النزاعات الداخلية فى المكان. فقد يشتكي بعض النزلاء بأنهم ضحايا المعاملة السيئة من العاملين في المؤسسة أو من رفاقهم، لكن إزالة أسباب هذه الشكوى، حتى ولو كانت صحيحة ليست من وظيفة عضو اﻠﻠﭽيو ماريا. فعليه أن يصغي برفق وشفقة إلى مَن يشتكي همومه، ويجتهد في تلقينه مشاعر القبول، وفى المعتاد تنتهي المسألة عند هذا الحد. ولكن إذا أثارت المعاملة السيئة شعور عضو اﻠﻠﭽيو ماريا، فعليه أن يصير كصمام أمان بأن يناقش الأمر فى إجتماع الفرقة. فتدرس الفرقة الظروف من كافة الجوانب وتقترح حلاً مناسباً، إذا كان ذلك مرغوباً فيه. ٢١. لا يجوز أن ينصّب عضو اﻠﻠﭽيو ماريا نفسه قاضياً وحَكَماً ليست فقط أخلاق عضو اﻠﻠﭽيو ماريا هى التى يجب أن تُطبع بطابع الإحترام للجميع بل مازال عقله هو الأكثر أهمية. فإن رسالة اﻠﻠﭽيو ماريا تتعارض مع تنصيب نفسه قاضياً لقريبه أو أن يفرض معاييره الفكرية وسلوكه كمعايير يجب على الجميع الإلتزام بها. ولا يجوز أن يعتبر الذين يختلفون عنه في كثير من الأمور، أو الذين يرفضون إستقباله، أو حتى الذين يعاكسونه، غير أهل للإحترام.
إن عدداً كبيراً من الناس تبدو أعمالهم عرضة للإنتقاد، ولكن ليس من إختصاص عضو اﻠﻠﭽيو ماريا أن يكون الناقد. فغالباً ما يُتهم أولئك الأشخاص ظلماً، كالقديسين. وفي الواقع، قد تكون سيرة بعض الأشخاص بشعة مستفحلة المفاسد. إلا إن الله وحده الفاحص القلوب، ويستطيع أن يحكم بالحق. فبحسب قول الأب جراتري Gratry: “كثيرون لم يحصلوا على نعمة التربية الأساسية. ولدوا من غير تراث أدبي، وربما كغذاء للمسيرة عبر تلك الحياة القاسية لم ينالوا سوى المثل الرديء والمبادئ الفاسدة. وهكذا، لا يطلب من أي شخص سوى ما قد أعطي إليه مسبقاً”.
وهناك الكثيرون من الناس يفتخرون بثرواتهم، وحياتهم بعيدة كل البعد عن التوبة والإماتة. وعن هؤلاء تتكلم روح عالم اليوم بكلمات مُرّة. وهنا يجب على اﻠﻠﭽيو ماريا أن تفكر وتتأمل في ذلك. فمن الممكن دائماً أن يُشبِه هؤلاء الأغنياء نيقوديموس الذي أتى إلى يسوع سراً في الليل، وخَدَمه كثيراً، وكسب له أصدقاء كثيرين، وأحبه بإخلاص، وفي النهاية كان له الشرف الفريد بالإشتراك في دفنه. إن دور عضو اﻠﻠﭽيو ماريا يجب أن لا يكون أبداً دور القاضي أو المنتقِد. بل يجب عليه دائماً أن يتأمل في العذراء مريم، كيف تنظر بلطف إلى تلك الأحوال وأولئك الأشخاص. ومن ثم يحاول التصرف تماماً كما كانت ستتصرف هي.
كان من عادة المبجلة ايدل كوين أنها لا تبحث عن عيب أو علة ما إلا وأحالت الأمر أولاً إلى العذراء القديسة. ٢٢. نظرة على الإنتقادات المعاكِسة كثيراً ما جاء في صفحات هذا الكتاب ذكر التأثير السيئ، المثبط للعزيمة الذي يُحدثه الخوف من الإنتقادات المعادية حتى على أحسنهم نيّة. ولمثل هؤلاء نقدم لهم المبدأ التالي ليكون عوناً لهم. إن أحد أهداف اﻠﻠﭽيو ماريا الرئيسية – وهو الذي يضمن لها أوسع نجاح – هو خلق مستويات عالية في التفكير والممارسة. والأعضاء الذين يُعِدّون أنفسهم ليحيوا حياة الرسالة، يضعون بذلك مُثلاً سامياً في حياة العلمانيين. فبفضل الغريزة العجيبة التي تدفع الناس إلى تقليد، ولو رغماً عنهم، الأمور التي تؤثر فيهم، سينجذب الجميع، بنسب مختلفة، إلى التقرب من تلك المُثل السامية. إن إحدى العلامات التي تدل على أننا أوجدنا مثلاً أعلى، هي رؤيتنا للكثيرين من الناس يسعون لإتباع تلك المُثل علناً وبقلوب مخلصة. وهناك علامة أخرى أكثر شيوعاً هي أعراض الخلاف التي ستبدأ فى الظهور. لأن تلك المُثل العليا هي إحتجاج على المستويات الدنيئة في الحياة. إنه كالوخز للضمير الشعبي، وكأية وخزة أخرى، ستثير ردة فعل قوية تعبيراً عن الإنزعاج والإحتجاج، وسرعان ما يعقبها إرتفاع ورُقيّ. أما إن لم يحدث أي رد فعل، فإن ذلك يعني أن المُثل الفاعلة لم تتأصل بعد. فلا داعي للقلق والإضطراب إذا أثارت أعمال اﻠﻠﭽيو ماريا بعض الإنتقادات الخفيفة؛ بشرط ألا تكون الأساليب التي إستعملناها هي عُرضة للنقد. ولا يغيب عن بالنا مبدأ آخر عظيم ذاك الذي يجب أن يسود كل جهد رسولي: “لا يمكن إكتساب الناس إلا بالحب واللطف، بالقدوة الصالحة الهادئة الحكيمة، التي لا تهينهم ولا ترغمهم على التسليم. فإنهم يكرهون أن يتعدّى عليهم مَن لا همّ له سوى التغلب عليهم.”
(جوزيه بورسي Giosue Borsi) ٢٣. لا مجال لليأس أبداً يحدث في بعض الأحيان أن الجهود الأكثر إخلاصاً التى إمتدت ببطولة، لا تأتي إلا بثمار قليلة. فعلى أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا ألا يعلقوا قلوبهم على النتائج المحسوسة، ومع ذلك، فليس من مصلحتهم أن يعملوا بشعور من الإحباط. إن تأمل الأعضاء في أن خطيئة واحدة يمنعونها دليل على ربح عظيم، فإن ذلك سيعزيهم وسيقويهم على بذل جهد أعظم. إذ من المحتمل أن تلك الخطيئة هى شر يتجاوز القياس، تجر وراءها سلسلة لا تنقطع من العواقب الوخيمة. “مهما كان أحد الكواكب السماوية صغيراً، فإن له نصيبه في توازن الكون. وهكذا، يا رب، عقلك وحده يدرك ويقيس بطريقة ما، إن أقل حركة من قلمي الجاري على الورقة مرتبطة بحركة الكواكب السماوية، تُشارك فيها وتكون جزءاً منها. وهذا ما يحدث في عالم الفكر. فالأفكار تحيا وتتبنى تجاربها المثيرة الأكثر تعقيداً في هذا العالم الفكري، والأسمى من العالم المادي؛ هذا العالم المُوَحّد المترابط رغم إتساعه وتشعبه وتعقيداته المختلفة. وكما هي الحالة في العالمين المادي والعقلي، كذلك هي أيضاً في العالم الأخلاقي الأعظم اللامحدود.” (جوزيه بورسي Giosue Borsi). إن كل خطيئة تهز ذلك العالم وتؤذي نفس كل إنسان. في بعض الأحيان تكون الحلقة الأولى من سلسلة الشرور ظاهرة، عندما يجر أحد الأشخاص شخصاً آخر إلى الخطيئة. ولكن سواء كان ذلك ظاهراً أو خفياً، فان كل خطيئة تقود إلى خطيئة أخرى؛ وبنفس الطريقة إذا مُنِعَت خطيئة واحدة مُنِعَت الخطايا التالية. وإنطلاقاً من هذه الفكرة، يؤدي منع الخطيئة الثانية إلى إستبعاد الخطيئة الثالثة، والخطايا المتعاقبة التي تليها، وهكذا تتلاشى سلسلة الخطايا إلى نهاية العالم. ولذلك، هل نبالغ إذا قلنا أن خاطئاً واحداً يرجع إلى الحياة الصالحة، سيكون في نهاية المطاف مثلاً صالحاً تمشي وراءه نفوس عديدة إلى السماء؟ ولكي نمنع خطيئة فظيعة، قد نحتاج إلى أعمال مضنية - حتى لو كانت جهود حياة بأكملها - لكي تتمتع كل نفس بفيض النعمة. وقد يكون في منع هذه الخطيئة تقرير مصير أبدي للنفس، وهو بداية عهد من السمو الروحي الذي، مع مرور الزمن، سينقل شعباً بكامله من حياة لا تعرف الله إلى حياة الفضيلة.
٢٤. آثار الصليب علامة رجاء إن الخطر الرئيسي الذي يؤدي إلى اليأس، لا يكمن في المقاومة التى تُظهِرها القوات التى تجد اﻠﻠﭽيو ماريا نفسها مصطفة فى مواجهتها، مهما كانت تلك المقاومة عنيفة، بل في المحنة التي تصيب أعضاءها عندما يُشاهدون فقدان المساعدات والوسائل الأخرى التي كانوا يستندون عليها. فالأصدقاء يخذلوننا، والناس الطيّبون يخذلوننا، وأدواتنا الخاصة تخذلنا؛ وكل ما كان سنداً لنا يُصبح خائناً لسلامنا الداخلي. ويبدو لنا أنه بإستطاعتنا أن نجني الكثير من الحصاد الجيد، لولا نقائص العاملين معنا، لولا هذا الصليب الذي يسحقنا! إن فقدان الصبر في هذه الأحوال التي تحد من عمل الخير الممكن للنفوس، قد يكون خطراً. قد يدخل اليأس إلى النفوس، ذلك اليأس الذي لم تقدر قوى الأعداء نفسها أن تسببه. لنتذكر دائماً أن عمل الرب يحمل دائما علامته الخاصة، أي علامة الصليب. فبدون تلك العلامة المُمَيَزة، يمكن الشك في السمة الفائقة الطبيعة لمشروع: بدونها لن تُجْنى أية نتائج حقيقية. وقد عبرت جانيت ارسكين ستيوارت Janet Erskine Stuart عن هذه الحقيقة بطريقة أخرى، حين قالت: “إذا تأملت في التاريخ المقدس، تاريخ الكنيسة، أو حتى في خبرتك الشخصية نفسها، المتراكمة سنة بعد سنة، ستجد أن عمل الله لا يتم أبداً في أحوال مثالية، ولا يكون أبداً كما نتصور أو نشاء.” والمدهش أن هذه الظروف نفسها التي تبدو للفكر البشري المحدود، إنها تمنع توفر الأحوال المثالية وتفسد أسباب النجاح، ليست في الواقع موانع، بل هي شروط لا بد منها للنجاح، وليست عيوباً، ولكنها علامة خاصة، وليست عبئاً ثقيلاً تتراخى معه الهمم، ولكنها الزيت الذي يُغذي النشاط ويساعده على بلوغ الآمال. فإن الله يُسَر دائماً أن يظهر قدرته بإستخلاص النجاح من ظروف غير مُبَشِرة، وأن يُحقِق أعظم مشاريعه بأضعف الأدوات وأقلها كفاءة.
ولكن على أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا أن يلاحظوا شرطاً مهماً: إذا أرادوا أن تكون هذه الصعوبات نافعة، فيجب أن لا تنشأ نتيجة إهمالهم. فاﻠﻠﭽيو ماريا لا تستطيع أن تتوقع الحصول على النعمة من أخطاء إرتكبتها بالفعل أو بالإهمال. ٢٥. النجاح فرح
الإخفاق ما هو إلا نجاح مؤجل إذا نظرنا إلى العمل على أساس صحيح، وجدنا أنه ينبوع أبدي للفرح. النجاح هو فرح. أما الإخفاق فهو إماتة، كما أنه تمرين على الإيمان؛ وهو سبب فرح أشد لعضو اﻠﻠﭽيو ماريا عميق التفكير الذي يرى فيه مجرد نجاح كبير مؤجل. ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان بالسعادة إذا رأى الناس يستقبلونه بإبتسامة الشكر على وجوههم، أو يُقَدِرون زيارته حق قدرها. غير أن نظرات الآخرين المريبة، لابدَّ أن تملأ عضو اﻠﻠﭽيو ماريا بعزاء أعمق، لأنها تدله على خلل هائل لم ينتبه له حتى تلك الساعة. وقد دلت خبرة اﻠﻠﭽيو ماريا أنه إذا وُجِدَت العاطفة الكاثوليكية الحقيقية في شخص ما، وحتى إذا ضعفت ممارساته الدينية قليلاً. فإنه يستجيب لنداء الزائر الودود العذب. ولكن إذا حدث العكس، فإن ذلك يدل غالباً على أن هناك نفساً في خطر.
٢٦. السلوك الواجب تجاه نقائص الفِرَق والأعضاء يجب أن نلزم الصبر تجاه نقائص الأعضاء والفِرَق. فالغيرة الفاترة، والتقدم البطيء، ومظاهر الضعف البشري التي تظهر واقعيتها المؤلمة، يجب ألا تسبب اليأس. والإعتبارات الآتية قد تكون مُفيدة في مثل هذه الأحوال. إذا قصّر هؤلاء الأعضاء، بالرغم من وجود المنظمة وراءهم لدعمهم، وبالرغم من تأثرهم - بدون أدنى شك - بصلواتها وعباداتها، فكيف يمكن أن يكون مستواهم بدون اﻠﻠﭽيو ماريا؟ ثم ما هو المستوى الروحي لمجتمع لا يستطيع توفير بعض العاملين الفاضلين اللازمين لتأسيس فرقة جيدة؟
من الواضح أنه لا بد من العمل على رفع هذه المستويات الروحية مهما كلف الثمن، والوسيلة المثلى، بل الوحيدة، هي إنتشار خميرة العمل الرسولي التي سوف تعمل في السكان كلهم إلى أن يختمر الجميع (متى١٣: ٣٣). ولذلك يجب أن نهتم بتربية المادة الخام الرسولية الموجودة، بصبر ووداعة ولطف لا يُقهرون. فإن الروح الكاثوليكية نفسها لا تنمو عادة إلا نمواً بطيئاً. فلماذا نتوقع من الروح الرسولية أن تنمو فجأة؟ فإذا ضاع القلب، ضاع معه كل أمل في الشفاء. ٢٧. التخلي عن الذات يجب ألا تسمح اﻠﻠﭽيو ماريا لنفسها بأن تكون أداة منفعة مادية لأي عضو من أعضائها. لكن، لا يجب فى الحقيقة أن يكون هناك عضو بحاجة للتحذير من أن يستغل عضويته إستغلالاً غير لائقِاً، سواء داخل المنظمة أو خارجها.
٢٨. لا تُقَدَم الهدايا للأعضاء يحظر على جميع فروع اﻠﻠﭽيو ماريا أن تُقَدِم لأعضائها مالاً أو هدايا مكافئة. فلو سُمح بهذه الهدايا لكثرت وسببت عبئاً مالياً ثقيلاً. ويجب الإحتراس الشديد من ذلك، لأن اﻠﻠﭽيو ماريا تضم في عضويتها، بفرح كبير، عدداً كبيراً من الأشخاص ذوي الإمكانيات المادية المحدودة.
ولذلك إذا شاءت أي فرقة، أو غيرها من كيانات اﻠﻠﭽيو ماريا أن تلفت النظر إلى مناسبة خاصة في حياة عضو، فلتُقدِم إليه باقة روحية. ٢٩. لا تمييز في اﻠﻠﭽيو ماريا تمنع المنظمة، بوجه عام، إنشاء فِرَق يكون أعضاؤها كلهم من طبقة أو فئة إجتماعية واحدة. وتلك بعض الأسباب: (أ) لأن حصر الأعضاء في طبقة أو فئة خاصة يعني إبعاد آخرين، وفي هذا ضرر بالإخوّة المسيحية. (ب) إن خير طريقة لإنتقاء الأعضاء عادة هي أن يبحث الأعضاء أنفسهم عن أعضاء جدد بين أصدقائهم. ومن المحتمل ألا تتوفر في هؤلاء الصفات المطلوبة للدخول في الفرقة الخاصة. (ج) فى كل الحالات تقريباً، صار مؤكداً أن الفرقة التي ينتمي أعضاؤها إلى جميع فئات المجتمع، تكون أكثر فاعلية في أعمالها. ٣٠. الهدف مدّ الجسور من واجبات اﻠﻠﭽيو ماريا أن تسعى إلى محاربة إنقسامات وخصومات العالم التي لا تُحصى. وهذا المسعى يبدأ في الخليّة الأولى ﻠﻠﭽيو ماريا نفسها، أي في الفرقة. وسيكون عبثاً مطلقاً أن تتكلم اﻠﻠﭽيو ماريا عن إقامة جسور الصداقة في الخارج، بينما يظهر بوضوح روح الإنقسام في صفوفها. فلتفكر اﻠﻠﭽيو ماريا خصوصاً في الإتحاد والمحبة التي يجب أن تسود بين أعضاء جسد المسيح السري، ولتعمل على تنظيم صفوفها وفقاً لذلك. فإنها إذا إستطاعت أن تجمع في فرقة واحدة أشخاصاً يُبقيهم العالم متباعدين، فإنها تكون قد قامت بعمل عظيم حقاً. وبهذا يقوم الإتصال المَبني على المحبة، وتنتشر عدواه المقدسة إلى خارج الفرقة، بحيث يكون في إمكانها السيطرة والقضاء على روح الشقاق المنتشر في العالم. ٣١. عاجلاً أو آجلاً يجب على أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا
أن يتصدوا لأصعب المهام إن إنتقاء العمل قد يخلق التردد. فربما تتواجد أكثر المشكلات شراً، لكن الكاهن قد يخشى أن يعهد بها إلى فرقة لا تزال في أول عهدها. ولكن، بوجه عام، يجب ألا تسود دوافع الخوف، وإلا إنطبق علينا قول البابا بيوس العاشر بأن أكبر مانع لعمل الرسالة هو الخوف أو بالأحرى الجبن من عمل الخير. أما إذا إستمر التردد، فلتبدأ الفرقة بمزاولة الأعمال البسيطة، ومع توالي الإجتماعات وإكتساب الخبرة، يظهر بوضوح قدرة بعض الأعضاء على القيام بأصعب المهام، وعندئذ يمكن تكليفهم بهذه الأعمال التى كانت محل شك فى البداية. وبعد ذلك يكلف بها الآخرون حسب الحاجة وحسب الإمكانيات التي تكون قد برزت. وحتى لو لم يكن هناك سوى عضوين فقط يقومان بالعمل الصعب، فإن في ذلك تأثيراً قوياً على أعمال باقي الأعضاء. ٣٢. الإشراف على الخطر إن نظام اﻠﻠﭽيو ماريا يُقلل إلى أقصى حد من الإحتمالات غير المرغوب فيها، ومع ذلك فقد يُلازم عنصر الخطر بعض الأعمال المهمة. وبعد تفكير هادئ سيظهر لنا أن: (أ) بدون تلك الأخطار، لن يكتمل العمل، الذي يتوقف عليه خلاص النفوس، كله أو جزء منه. (ب) بعد أن إتُخِذَت جميع الإحتياطات الممكِنة لضمان سلامة الأعضاء أثناء العمل؛ فليبدأ العمل بالعناصر المختارة. من المؤسف أن يبقى أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا مكتوفي الأيدي، بينما تسير نفوس أقربائهم إلى الهلاك. “فليحفظنا الله من هدوء الجاهل وصفائه. فليحفظنا الله من سلام الجبناء.” (دي جسبران De Gasparin) ٣٣. يجب أن تكون اﻠﻠﭽيو ماريا في الصفوف الأمامية لجهاد الكنيسة إن أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا يُشاركون فى إيمان مريم بإنتصار إبنها، إيمانها بأنه بموته وقيامته قد قهر كل قوى الشر والخطيئة. والروح القدس يضع هذا الإنتصار في متناول أيدينا في كل معارك الكنيسة، بحسب درجة إتحادنا مع سيدتنا مريم. إنطلاقاً من ذلك، على كل أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا أن يكونوا إلهاماً للكنيسة بأجمعها، من خلال شجاعتهم وثقتهم اللتين يُظهرانها في أعمالهم الصعبة ضد قوى الشر اليومية. “علينا أن نفهم ما هي الحرب. إننا لا نُحارِب ببساطة لمجرد توسيع الكنيسة، بل لجلب نفوس للإتحاد مع السيد المسيح. إنها أكثر الحروب غرابة، حيث إننا نٌحارِب من أجل العدو لا ضده. حتى أن كلمة عدو يجب ألا نسمح لها بأن تُضللنا.
إن كل غير مؤمن، كما كل كاثوليكي، هو خليقة ذات روح خالدة، خلق على صورة الله ومثاله، ولأجله مات السيد المسيح. فمهما كانت عداوته عنيفة للكنيسة أو للسيد المسيح، فهدفنا هو إرتداده وليس الإنتصار عليه. علينا ألا ننسى أن الشيطان يريد روحه في جهنم، كما يريد أرواحنا أيضاً، ولذلك علينا أن نحارب الشيطان من أجله. قد نضطر أحياناً لمقاومة شخص ما لمنع الشيطان من التغرير به، ولكننا نريد دائماً أن نربحه من أجل خلاص روحه. حربنا هذه يجب أن تكون بقدرة الروح القدس، الذى هو الحب بين الآب والإبن، فإن حارب جنود الكنيسة بكراهية، فهم يقاتلون ضده.
(شييد F. J. Sheed: لاهوت المبتدئين)
٣٤. على عضو اﻠﻠﭽيو ماريا أن ينشر ويذيع كل ما هو كاثوليكي يجب على أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا ألا يهملوا شعار سيدة الكرمل (سكابولار)، والأيقونات، والشارات، التي وافقت عليها الكنيسة. فإنهم بتوزيعها، وبنشر الإكرام الموافق لما ترمز إليه، يفتحون قنوات، كما أُظهِرت أمثلة لا تُحصى، أن إرادة الله أن تفيض النعمة من خلال هذه القنوات بغزارة. وعليهم بشكل خاص، أن يعلقوا أهمية كبرى على شعار سيدة الكرمل بُنيّ اللون الذي هو زي مريم المميّز. “هناك مَن يُفسِر حرفياً النص القائل: الذي يموت مرتدياً هذا الثوب لا يهلك. القديس كلود دي لا كولومبير Claude de la Colombière طبّقه بدون قيود: قد يفقد أحدهم شعار سيدة الكرمل، ولكن من يلبسه ساعة الموت يُخَلِص حياته.” (الأب راؤول بلوس Raoul Plus) وكذلك يجب أن ينعشوا التقوى في العائلات بتشجيعها على وضع الأيقونات واللوحات الدينية، والصلبان والتماثيل في بيوتها، وعلى الإحتفاظ بشيء من الماء المقدس، وببعض سلاسل السبح المباركة، لكسب الغفرانات. فإن البيوت التي لا تهتم بالمقدّسات، تتعرض لخطر إهمال الأسرار المقدسة نفسها. إن الأولاد، بشكل خاص، يتأثرون بمظاهر التقوى الخارجية. فالبيت الذي يخلو من تمثال أو أيقونة مقدسة، يصعب على أهله أن يكتسبوا ميزة الإيمان الحقيقي الصميم.
٣٥.عذراء ذائعة الصيت: لا بد من التبشير بالعذراء،
وإيصالها إلى كل البشر وتعليمهم عنها،
لأنها أمهم كان البابا لاون الثالث عشر حريصاً على تكرار ذِكْر هذه العبارة: إن مريم هي أم كل بشر، وإن الله قد زرع بذرة المحبة لها في كل القلوب، حتى في قلوب الذين يكرهونها أو لا يعرفونها. فهذه البذرة ما زُرِعَت إلا لتنمو، وهي قابلة لأن تزداد إذا ما هُيّئت لها الظروف المناسبة. فلا بد إذاً من الإتصال بالنفوس وتبشيرها بدور مريم الأمومي.
وقد قرر المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني أن أمومة مريم تشمل جميع البشر (دستور عقائدي حول الكنيسة ٥٣، ٥٤)، كما قد صرح بأن مريم هي مصدر ونموذج سام للعمل الرسولي، حتى أن الكنيسة في جهودها لتُخَلِص جميع البشر، لا بد لها من أن تعتمد عليها.
(دستور عقائدي حول الكنيسة - ٦٥) ويطلب البابا بولس السادس من المؤمنين في كل مكان، ولا سيما في الأماكن التي فيها الكثير من غير الكاثوليك، أن يتعلموا ويتفهموا دور مريم الأمومي، حتى يتمكنوا من أن يشاركوا كنز معلوماتهم مع الآخرين من أخوتهم. كما يضرع قداسته إلى قلب مريم المُحب أن تشمل البشر جميعاً بمحبتها، كي تتمكن من إنجاز مهمتها الخلاصية، وهي توجيه كل النفوس نحو السيد المسيح. وأخيراً، من أجل تسليط الضوء على واجبات مريم الأمومية والمُوَحّدة تجاه جميع أفراد الأسرة البشرية، أعطى قداسته العذراء لقباً مُعَبِراً وهو: “أم الوحدة.” وللأسف يضل هؤلاء الذين يرون العذراء المباركة عقبة في وجه إهتداء النفوس يجب إبعادها. فالعذراء هي أم النعمة وأم الوحدة، لذلك فبدونها لن تستطيع النفوس إيجاد طريقها. وأعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا عليهم أن يُطبّقوا ذلك المبدأ بإنتظام على جهودهم من أجل إهتداء النفوس، وذلك بأن يُفسِروا للجميع ما يُدعى فى بعض الأحيان ولكن بشكل خاطىء إكرام اﻠﻠﭽيو ماريا لمريم. لأن هذه التقوى نحو مريم ليست ملكية خاصة ﻠﻠﭽيو ماريا، فهى لم تتعلمها إلا من الكنيسة. “لقد تمّ دائماً تقديم العذراء مريم من قِبَل الكنيسة كمثال يُحتذى به، ليس في نمط حياتها فقط، ولا لأجل خلفيتها الإجتماعية الثقافية التى نشأت فيها والتى نادراً ما نجدها اليوم في أى مكان. لقد صارت مثال يُحتذى به من قِبَل المؤمنين، لأجل الطريقة التى بها قبلت طوعاً بشكل كامل وبمسؤولية مشيئة الله في حياتها الخاصة (أنظر لو١: ٣٨)، ولأنها سمعت كلمة الله وعملت بها، ولأن المحبة وروح الخدمة كانتا قوتها الدافعة في كل أعمالها. مريم تستحق الإقتداء لأنها كانت أول تلاميذ يسوع وأعظمهم كمالاً. إن كل ذلك له قيمة نموذجية دائمة وشاملة.”
(تنظيم وتطوير تكريم العذراء المباركة مريم، البابا بولس السادس، ١٩٧٤ - ٣٥)
تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح