الفصل السابع والثلاثون
إقتراحات بشأن الأعمال يعرض هذا الفصل بعض الأساليب لتأدية واجب الأعمال المريمية التي أثبتت الخبرة أن لها ثماراً مؤكدة. هي مجرد إقتراحات، والحاجات الخاصة تقتضي أعمالاً خاصة. كما تحث المنظمة على المغامرة في طلب الأعمال الصعبة لا تجنبها، لأن المنظمة مؤهَلة على نحو رائع للقيام بمثل هذه الأعمال. أما الأعمال التافهة فلن يكون لها تأثير جيد على روح الأعضاء
كمبدأ أساسي، يجب على كل فرقة أن تقوم ببعض الأعمال التى يمكن أن تسمى بالبطولية. حتى في الفِرَق المبتدئة، فليس من المستحيل أن يوجد بين الأعضاء إثنان يستطيعان القيام بهذه المغامرة، فيعهد إليهما بها. وهكذا يصبحان قدوة لبقية الأعضاء الذين سيهدفون إلى تقليدهما. ومتى وصل المستوى العام إلى هذا الحد، يُعهَد إلى العضوين الباسلين شق الطريق إلى عمل بطولي جديد. وهذا التقدم الريادي يرفع بإستمرار مستويات الفرقة. لأنه لا وجود للحدود الطبيعة في الأمور الفائقة الطبيعة. فكلما إتحد الإنسان بالله إتسعت آفاقه وتعاظمت إمكانياته
ولكن الأمر لا يخلو من إعتراض. لأن فكرة المجازفة في سبيل الدين أمر يقلق الكثيرين من الناس. فتتعالى أصوات تقول أن هذا “تهور” و“غير لائق”. لكن العالم لا يقول مثل هذه الأقوال الضعيفة، واﻠﻠﭽيو ماريا لن تكون أقل شجاعة وجرأة. فإن كانت النفوس بحاجة إلى عمل ما، وكان الإقدام ضرورياً لتكوين أخلاقيات المجتمع المسيحي، فلا بد للشجاعة أن تحتل المقام الأول، بينما يليها الحذر في المقام الثاني. نتأمل جيداً كلمات الكاردينال باي (Pie) “إذا تواجد الحذر في كل مكان، لن تكون هناك شجاعة فى أي مكان. وسوف تجدون أننا سنموت من كثرة الحذر
فلا تتركوا منظمة اﻠﻠﭽيو ماريا تموت بسبب الحذر ١. الرسالة في الرعية إليكم بعض الطرق التي يمكن من خلالها أن تساعد أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا في نمو روح الجماعة الحقيقية في الرعية
(أ.( زيارة منازل شعب الرعية (راجع رقم ٢ من هذا الفصل
(ب.( القيام بخدمات ليتورجية عامة، أيام الآحاد والأعياد، في الأماكن التي لا يوجد فيها كاهن يحتفل بذبيحة القداس الإلهي
(ج.( القيام بحصص التعليم الدينى
(د.( زيارة ذوي الإحتياجات الخاصة، والمرضى، والعجزة أيضاً والإعتناء بهم، وعمل التحضيرات المناسبة لزيارة الكاهن لهم، إذا إقتضت الضرورة
(ﻫ.( تلاوة المسبحة في الصلوات حول تابوت المتوفي والجنازات
(و.( تدعيم الجمعيات الكاثوليكية والجماعات الرعوية، بما في ذلك الأخويات أو الجمعيات الخيرية الكنسية عند تواجدها، بتوظيف أعضاء جدد وتشجيع الأعضاء الموجودين أصلاً على الثبات
(ز.( التعاون في كل النشاطات الرسولية والإرسالية التي تدعمها الرعية، وهكذا تعمل المنظمة على جلب النفوس كلها، بطريقة أو بأخرى تحت مظلة حماية شبكة الكنيسة، فتضمن بذلك سلامة الأفراد والجماعة على حد سواء
وهناك أيضاً أعمال رعوية أخرى، رغم أهميتها، لا تُعتبَر عملاً جوهرياً كافياً للبالغين من أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا إلا فى ظروف خاصة. من هذه الأعمال ما يلي: العناية بالهيكل؛ المحافظة على نظافة الكنيسة وجمالها؛ مراقبة الخدمات بالكنيسة؛ الخدمة أثناء القداس...إلخ. فإذا إقتضت الحاجة، فإن أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا يستطيعون أن يهتموا بتنظيم ومراقبة تنفيذ هذه الخدمات، التي ستكون مصدر بركات للقائمين عليها. فيقوم الأعضاء بعد ذلك بأمور أكثر صعوبة، وهي التوجه المباشر إلى النفوس
“إني أرغب في أن أعمل في سبيل الله، على مثال أم النعمة. أرغب في أن أشارك بتعبي وتضحياتي في خلاص نفسي وخلاص العالم كله، كما يقول الكتاب المقدس في سفر المكابيين، عن الذين في حماسة شجاعتهم المقدسة، لم يريدوا أن يَخلصوا وحدهم، بل سعوا ليُخلِصوا معهم أكبر عدد ممكن من إخوتهم
(غراتري Gratry: الشهر المريمي) ٢. زيارة منازل شعب الرعية رغم أن زيارة البيوت لم تكن من أعمال اﻠﻠﭽيو ماريا في بداية عهدها، إلا أنها صارت بشكل تقليدى من أكثر الأعمال المريمية تفضيلاً، وشغلها الخاص في كل مكان، وهي أشد الوسائل فاعلية لنشر أعظم الخيرات. وهي بالتالي سمة اﻠﻠﭽيو ماريا
من خلال هذه الزيارات يمكن للمنظمة إقامة إتصال مباشر مع عدد هائل من الشعب، وتظهر لهم إهتمام الكنيسة بكل فرد وكل عائلة “ولا يقتصر إهتمام الكنيسة الرعوي على أقرب العائلات المتاحة، لكنه يوسّع حدوده فى تناغم مع سعة قلب المسيح، ويبدي المزيد من النشاط تجاه جميع العائلات على وجه العموم، وتجاه تلك العائلات التي تواجه ظروف صعبة أو إستثنائية، على وجه الخصوص. وعلى الكنيسة أن توجّه إلى جميع العائلات كلمات ملؤها الحقيقة والصلاح والتفهم والرجاء، والتضامن العميق في الصعوبات الشديدة التي تُضيّق أحياناً عليها الخناق. وعليها أن تساعدها جميعاً متناسية ذاتها ومصالحها، لكي تتمكن العائلات من الإقتراب أكثر من مَثل العائلة الذي أراده الله منذ البدء، والذي جدّده السيد المسيح بنعمته الفادية.” العائلة المسيحية في عالم اليوم، البابا الطوباوى يوحنا بولس الثاني، ١٩٨١ - ٦٥
على الفرقة أن تخطط لوسائل التقرّب من العائلات. ومن الواضح أن أول الطرق التي سيقوم بها الأعضاء هي تقديم أنفسهم وشرح سبب وجودهم. إن الزيارات لتتويج القلب الأقدس فى المنازل، أو للقيام بإحصاءات الرعية، أو لنشر المطبوعات الكاثوليكية، المشروحة في الصفحات القادمة، هي من ضمن الطرق المستخدمة للتقرّب من البيوت
الزيارات المنزلية هذه، لا يجب أن تقتصر فقط على الكاثوليك الذين يعيشون الحياة المسيحية، بل على الجميع، فيدخلوا ضمن نطاق عمل اﻠﻠﭽيو ماريا الرسولي. الإتصال قد يحدث مع غير الكاثوليك أو غير المسيحيين، أو حتى الكاثوليك البعيدين عن الكنيسة. إهتمام خاص يجب أن يُمنح للذين يعيشون حالات زواج غير شرعي كما سبق التنويه، أو لمن هم بحاجة إلى إرشاد خاص، أو إلى الوحيدين أو العجزة. يجب النظر لكل بيت من زاوية واجب الخدمة
على هذه الزيارات أن تتصف بالتواضع والبساطة. فقد يكون للناس أفكار خاطئة عن هذه الزيارات، فينتظرون مَنْ يعظهم بطريقة الأعلى مكانة. فعلى العكس، يجب على أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا أن يبدأوا بالإصغاء عن قصد بدلاً من الحديث. فبإصغائهم بكل إحترام وصبر، يكسبوا الحق بأن يُصغي لهم الآخرون
“لا يمكننا أن نخفق في التشديد على أن عمل تبشير العائلات يجب أن يكون ضمن عمل التبشير العلماني
ففي أوقات مختلفة من تاريخ الكنيسة وأيضاً في المجمع الفاتيكاني الثاني، إستحقت العائلة هذا الإسم الجميل “الكنيسة المنزلية”. وهذا يعني أن على كل عائلة مسيحية أن تظهر كل جوانب الكنيسة المختلفة. والأهم من ذلك، فإن على العائلة، كما على الكنيسة، أن تكون المكان الذي يُبَشّر بالإنجيل، والمكان الذي يشع منه
فالعائلة الواعية على رسالتها هذه، يكون أعضاؤها مُبشِرين ومُبَشَّرين. فالأباء لا ينقلون الإنجيل إلى أبنائهم فحسب، بل هم بدورهم يمكنهم أن يقبلوا الإنجيل من أولادهم من خلال عيشهم له بعمق كبير
فتصبح هذه العائلة رسولاً يبشّر عائلات أخرى كثيرة، وكل الحي الذي يعيشون فيه. أما العائلات الناتجة عن الزواج المختلط، عليهم هم أيضاً واجب التحدث عن السيد المسيح لأولادهم، بهدف الوصول إلى معمودية مشتركة، فعليهم أيضاً واجب صعب جداً وهو بناء الوحدة في العائلة.
(التبشير في العالم العصري، البابا بولس السادس، ١٩٧٥ - ٧١) ٣. تتويج القلب الأقدس في البيوت إن نشر عبادة تتويج القلب الأقدس في البيوت، بمثابة طريقة خاصة ومفضلة للتعارف وقيام صداقات مع العائلات المسيحية.
إن الأساليب والأمثلة لعمل ذلك سيتم شرحها بالتفصيل في الفصل ٣٩، “الوصايا الرئيسية لعمل اﻠﻠﭽيو ماريا الرسولي”. فلذلك يتم التأكيد والتشديد على أن لا يتم إهمال أي بيت على الإطلاق، على قدر المستطاع، ويتم التأكيد أيضاً بأنه يجب بذل جهد مملوء بالمحبة والمثابرة في كل بيت، يتم توجيهه للبحث عن كل فرد من أفراد العائلة، أصغيراً كان أم كبيراً، وبدون إستثناء، لكي يرتقى درجة واحدة على الأقل، فى الحياة الروحية.
إن أولئك المرسلين للقيام بهذا العمل، عليهم أن يأخذوا على عاتقهم أيضاً، وصايا القلب الأقدس الإثني عشر بكاملها. حتى الوصية العاشرة سأعطي الكهنة النعمة ليلمسوا حتى أصعب القلوب وأشدها صلابة”، يمكن أن تنطبق ليس على الكاهن فقط، بل على كل شخص يمثّ الكاهن في عمله الرسولي. فبملء الشجاعة المستمدة من هذا الوعد، يُقْدم أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا بثقة كاملة على التعامل مع جميع الحالات والمشاكل التي تصنّف “بالمستحيلة
إن زيارات تتويج القلب الأقدس في البيوت تمثل الطريقة الأكثر ثماراً لبداية عمل اﻠﻠﭽيو ماريا الرسولي، فهي تدق الوتر الصحيح للتقوى البسيطة من البدايات الأولى، فيسهل بذلك القبول لدى الناس وتكرارالزيارات، وبالتالي يسهل تطور عمل اﻠﻠﭽيو ماريا الرسولى
وبما أن رسالة مريم العذراء هي أن تنشر مُلك إبنها الرب يسوع، فلذلك لا بدّ من وجود إستحقاق خاص (ذاك الذى يجلب المواهب الخاصة للروح القدس) ﻠﻠﭽيو ماريا التى تنشر تتويج القلب الأقدس في البيوت
“إن محبة العائلة تعنى تقدير ما لها من قيم سامية وإمكانات والعمل الدائم على تطويرها. محبة العائلة تعنى إكتشاف ما يتهددها من أخطار وشرور، بغية التغلب عليها. محبة العائلة هي بذل الجهد لخلق الظروف والأجواء التي تساعد على تنميتها وتقدمها. إنه لنوع سام جداً من المحبة أن تمنح مجدداً العائلة المسيحية اليوم، التي غالباً ما تعصف بها رياح اليأس والقلق من جرّاء تكاثر المصاعب، من الأسباب ما يبعث فيها الثقة بالنفس وبما حَبتها الطبيعة والنعمة من وسائل، وبالرسالة التي وكلها الله إليها. ‘أجل، من الواجب فى الحقيقة أن تعود عائلات عصرنا إلى سابق عهدها! من الواجب أن تسير في خطى المسيح’. أعمال الكرسي الرسولي – ٧٢ (١٩٨٠)، ٧٩١
(العائلة المسيحية في عالم اليوم، البابا الطوباوى يوحنا بولس الثاني، ١٩٨١-٨٦) ٤. القيام بإحصاء الرعية ليس هناك وسيلة أفضل من هذه الطريقة للإتصال بالكاثوليك الذين يحتاجون إلى عناية خاصة، أو الذين يُعتبرون في عداد الضالين، أي الذين فقدوا كل إرتباط مع الكنيسة. وبما أن الأعضاء يقومون بهذا العمل بإسم الكاهن فيجب، إن أمكن، أن يزوروا البيوت بيتاً بيتاً. ومن الطبيعي أن يتم سؤال أهل البيت عن الأمور الدينية، فكقاعدة عامة يجيبون عن تلك الأسئلة ببشاشة. والمعلومات المتجمّعة تكون للكاهن ولأعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا مادة عمل تحتاج إلى كثير من الجهد المتواصل لمدة طويلة
ليس الإكتشاف سوى أولى الخطوات وأسهلها. أمّا إعادة كل واحد من الضالين إلى الحظيرة، فيجب أن تعتبرها الفرقة ثقة أنعم بها الله تعالى عليها - فتباشر العمل بها بفرح وتواصل تحقيقها بروح لا يُذلل. فعلى الفرقة أن تحترس، بكل ما لديها من قوة، من التراخي في إتمام ثقة الله هذه، مهما طال الجهاد أو ثقلت المتاعب، مهما عظمت الخيبة، أو تعقدت المسائل، بل ومهما كان الأمل منعدماً فى المشروع.
إضافة إلى ذلك، لا بد من التكرار أن يكون الجميع لا غير المبالين فقط، موضوع إهتمام مفعم بالمحبة من الأعضاء
“إن لنا في حقل الكنيسة الرسولي، رسالة رسمية، ووسيلة عمل دبرتها لنا العناية الإلهية، وسلاحاً خاصاً. إننا لا نذهب إلى النفوس بإسم مريم وتحت حمايتها فقط، بل إننا أيضاً، وفوق كل شيء، نبذل قوانا كلها لنملأ تلك النفوس بالحب البنوي لها
(مقتطفات صغيرة من اللاهوت المريمي Petit Traité de Marialogie: Marianiste) ٥. زيارة المستشفيات بما فيها مستشفيات الأمراض النفسية
إن أول عمل مارسته منظمة اﻠﻠﭽيو ماريا كان زيارة مستشفى للفقراء، ولم تمارس غيره مدة من الزمن. وكان ذلك مصدر بركات غزيرة لهذه المنظمة حديثة التأسيس، وترغب اﻠﻠﭽيو ماريا أن يلازم هذا العمل كل أعمال فِرَقها. وفيما يلي بضعة أسطر كُتِبَت في الأيام الأولى للمنظمة تُبيّن الروح الخاصة التي يجب أن تتميز بها هذه الزيارات
“حينئذ نودي بأحد الأسماء، فأخذت إحداهن بإلقاء تقريرها. كان موضوعه زيارة مستشفى. ومع أنه كان مختصراً، إلا أنه كشف عن المودة القائمة بينها وبين المرضى. وقد أضافت، بشيء من الحياء، أن المرضى يعرفون أسماء كل أشقائها وشقيقاتها. وقد نجحت في مهمتها بسبب رفيقتها في العمل. فمن الواضح أن العمل كان يتم من قِبَل شخصين إثنين. فقد خطر ببالى أنه بغض النظر عن أن عملهما هذا كان مثالاً رسولياً فى هذا الشأن، إلا أن الممارسة تمنع المماطلة في عمل هذه الزيارات الإسبوعية
“ثم توالت التقارير. هناك أخبار جديدة في بعض أجنحة المستشفى إضافة إلى تفاصيل عديدة، ولكن معظم التقارير كانت مختصرة. كثير منها كان مسلياً، وكثير كان مؤثراً، وكلها جميلة إذا ما أدركنا مَنْ نزور في شخص المريض. وفي كل تقرير دليل على ذلك. إن كثيرين من الناس لا يصنعون مع أقربائهم باللحم والدم، ما قيل أنه صُنع ببساطة وبشكل طبيعي، مع العناصر البائسة من الشعب. يرافق عادة هذه الزيارات المليئة بالعناية الفريدة والحنان، تقديم خدمات أخرى تقوم بها جمعيات عديدة؛ ككتابة الرسائل للمرضى، أو البحث عن الأصدقاء والأقارب الذين أهملوا مرضاهم، وتسيير الأمور. ومن الواضح أنه لا أحد سىء الطباع جداً، أو عابث جداً لدرجة إنه لا يمكن الإهتمام به
“في أثناء الإجتماع تُليت رسالة من إحدى المريضات إلى زوارها، تقول فيها هذه الجملة: “منذ أن دخلت في حياتي.” ولما كانت هذه العبارة تذكر بالروايات الرخيصة، فقد أثارت ضحك الجميع. غير أني تذكّرت فيما بعد، أن هذه العبارة عَنَت الكثير جداً لشخص وحيد على فراش إحدى المستشفيات، فأثارت هذه الفكرة في نفسي إنفعالاً بليغاً. ثم قلت في نفسي، إن هذه الكلمات الموجّهة إلى شخص واحد فقط قد تشمل الجميع. فما أروع قوة المنظمة التي تستطيع أن تجمع عدداً كبيراً من الأشخاص في غرفة واحدة، ثم ترسلهم في مهام ملائكية إلى الألوف من النفوس التي لا يهتم بها العالم الخارجي.” الأب ميشيل كريدون Michael Creedon أول مرشد روحي لمجلس القيادة في اﻠﻠﭽيو ماريا
من الواجب على زيارات أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا أن تعلم المرضى المعنى الحقيقي لآلامهم وأوجاعهم، فيتحملونها بروح مسيحية صحيحة
يجب إقناعهم بأن الألم غير المحتمل الذي يَحسّونه، هو في الواقع إعادة تشكيل نحو شبه السيد المسيح، ولأنه كذلك فهو نعمة عظيمة. تقول القديسة تريزا الأﭭيلية: “ليس بوسع الجلال الإلهي أن يمنحنا نعمة أعظم من أن نحيا حياة شبيهة بحياة إبنه الحبيب.” ليس من الصعب أن نجعل الناس يتقبلون مثل هذا النوع من العذاب، الذي حين يفهمونه، يزول نصف ما فيه من مرارة
فيجب أن نساعدهم لكى يفهموا عظمة الكنوز الروحية التي يمكنهم إكتسابها، بأن نكرر عليهم أقوال القديس بطرس القنطري التي وجهها إلى شخص كان يعاني من مرض مؤلم جداً مدة طويلة، وصبر عليه صبراً رائعاً: “يا أيها المريض السعيد، إن الله قد أظهر لي المجد العظيم الذي إكتسبته أنت بمرضك. لقد إستحققت أكثر مما يمكن أن يستحقه الآخرون بالصلاة، والصوم، والسهر، وإماتة الجسد، وأي أعمال توبة أخرى
من المستحسن أن تُستَثمر هذه الكنوز الروحية بطرق أكثر تنوعاً. فالإحتفاظ بهذه الأفكار للذات، لن ينتج عنه عمل رائع ومثير. لذلك على عضو اﻠﻠﭽيو ماريا أن يكشف عن فكرة الرسالة من خلال الألم. عليه أن يُعَلِم المرضى كيف يشغلون أنفسهم بأمور العالم الروحية، فيقدمون كنوز تضحياتهم وأوجاعهم لأجل عدد لا يُحصى من الإحتياجات، ويقودون حملة لا يمكن مقاومة فاعليتها لأنها صلاة وتكفير فى آن واحد
“هذه الأيادي المرفوعة لله،” يقول بوسييه Bossuet “بإمكانها دحر جيوش العدو أكثر من تلك التي تقاتل بالسلاح
إهتمام المرضى الشخصي بالموضوع الذي يُصَلون من أجله، يساعدهم على الثبات. فمن المهم شرح وتوضيح بعض الإحتياجات والأعمال (خصوصاً تلك الخاصة بالمنظمة) التي يمكنهم أن يساهموا فيها بصلواتهم
يجب أن يكون ضمهم إلى الأعضاء المساعدين هدفاً مبكراً، ومن ثم درجة المعاونين. ويمكن تشكيل جماعات من هؤلاء الأعضاء، الذين هم بدورهم سيشكلون جماعات أخرى. وبأي طريقة أخرى أيضاً، يجب على المرضى أن يساعدوا بعضهم بعضاً
وإن كانت هذه الدرجات من العضوية تتم ممارستها أصلاً، فما المانع من التوجه إلى العضوية العاملة فوراً. هنالك كثير من مستشفيات الأمراض العصبية لديها فِرَق مريمية مؤلفة من المرضى. وللحصول على فِرَق في أماكن كهذه، يجب أن تكون هنالك خميرة قوية وجيدة. هؤلاء الأعضاء لديهم متسع من الوقت ليبذلوه فى أعمالهم بين المرضى الآخرين، فيستطيعون رفع أنفسهم إلى درجة عالية من القداسة. إن قيمة عضوية هؤلاء المرضى فى اﻠﻠﭽيو ماريا، أقل ما تقدمه لهم هو قوة شفاء أوعلاج، فمن المؤكد أنه قد صار معترفاً بذلك من قِبَل الفِرَق الطبية فى هذه المستشفيات فى كل مكان
هذه النظرة الجديدة للحياة ستفتح أمام أولئك المرضى، وخصوصاً بعدما لمس بعضهم أعماق البؤس والتعاسة فى فكرة أنهم عبء ولا فائدة منهم، سيتذوقوا قمة السعادة لشعورهم بأنهم ذا فائدة عند الله.
من الضروري جداً أن تؤثر شركة القديسين بقوة، على العلاقة بين أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا والمرضى الذين يزورونهم، بمعنى التبادل المفيد للأحمال والمنافع. قد لا نفترض أن المريض بألمه يحمل بالنيابة عن أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا قسماً من الألم الخلاصي المستحق على جميع البشر؛ فلو كان كل إنسان ملتزماً بأن يحمل دينه شخصياً، لأصبح كل الناس مرضى؛ لذلك فإن بعضهم حُظي بأن يحمل نصيباً أوفر من نصيب الأخر، كى يتمكن العالم من مواصلة عمله.
وماذا يستطيع عضو اﻠﻠﭽيو ماريا أن يقدم مقابل هذا التبادل اللامرئي؟ وماذا يمكنه أن يقدم سوى جزء من عمله الرسولى - لأولئك المرضى الغير قادرين (أو الغير مستعدين فى بعض الأحيان) لإتمام ذلك الجزء من واجباتهم المسيحية.
لذلك فإن كل طرف من الأطراف يستفيد بفرح كبير، على حساب الطرف الأخر. إلا أن المسألة ليست مجرد تبادل متساوٍ ومتوازنٍ. فالربح أكبر بكثير من الخسارة، بفضل المبدأ المسيحي الذى يعد المؤمن بأن يحصل على مئة ضعف ما يعطي. (راجع قسم ٢٠، الفصل ٣٩، الوصايا الرئيسية لعمل اﻠﻠﭽيو ماريا الرسولي
“قال القديس إغناطيوس الأنطاكي: ‘أنا حنطة المسيح، فلكي أتحول إلى خبز يليق بالله، يجب أن أُطْحَن تحت أنياب الأسود.’ فليكن فينا دائماً اليقين بأن أفضل الصلبان، وأكثرها أماناً، وأقربها إلى الله، هي تلك التي يعدّها لنا الرب يسوع نفسه دون إستشارتنا. فقوّوا إيمانكم بهذا التعليم العزيز جداً على القديسين العائشين على مثال بيت الناصرة. اعبدوا الله وباركوه وسبحوه في كل الشدائد والمحن التي تأتي من يديه مباشرة، وتغلبوا على ضعف طبيعتكم البشرية، وقولوا من كل قلوبكم “فلتكن مشيئة الله” بل الأفضل من ذلك، “تعظم نفسي الرب”! ”
(متيو كرولي بويفيMateo Crawley-Boevey) ٦. العمل من أجل أكثر الناس بؤساً وحزناً يستوجب هذا العمل زيارة أوكارهم، وأماكن سكنهم، والملاجئ والسجون؛ ومن الممكن أن يكون هذا العمل في إدارة ملاجىء من قِبَل أعضاء من اﻠﻠﭽيو ماريا يقيمون في الملجأ أو خارجه
فعندما يتوفر لدى اﻠﻠﭽيو ماريا فى موقع ما عدد من الأعضاء ذوي الخبرة والكفاءة، يجب القيام بهذا المشروع من أجل أصغر إخوة المسيح الصغار. وكثيراً ما يُهمَل هذا المشروع، مما ينتج عنه لوم كبير لسمعة الإسم الكاثوليكي
يجب ألا يبقى هنالك أي أعماق لا تخترقها المنظمة بحثاً عن الخراف الضالة من بيت إسرائيل. وقد تكون المخاوف الغير حقيقية هى العقبة الأولى. ولكن سواء كانت هذه المخاوف مزيّفة أو حقيقية، يجب أن يقوم أحد بهذا العمل. فإن كان أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا القادرين والمدربين، والمحروسين بنظام صلواتهم وإنضباطهم، لا يستطيعون التصدى لمثل هذا العمل، فلا أحد يستطيع
إلى حين أن تتمكن المنظمة فى أى موقع من القول بصدق إن أعضاءها يعرفون شخصياً، وهم، بطريقة ما، على إتصال شخصي بكل فرد من هؤلاء الأشخاص البائسين والمنسيين، يجب النظر إلي عملها كأنه مازال فى مرحلة التطور الغير كامل، وأن الجهود المبذولة في هذا الإتجاه يجب أن تتضاعف
يجب ألا يكون بحث عضو اﻠﻠﭽيو ماريا عن تلك النفوس الأقل حظاً في العالم، أقل نشاطاً وغيرة من أولئك الباحثين عن خيرات الأرض من أشياء نادرة وثمينة. فإن بحثه هذا قد يكون فرصتهم الوحيدة في الحصول على الحياة الأبدية. كثيراً ما يتعذر جداً على التأثيرات الصالحة الوصول إلى هؤلاء الأشخاص، لدرجة أنهم يرون في السجن نعمة متخفية لهم
وأكثر من ذلك، يجب أن يكون موقف عضو اﻠﻠﭽيو ماريا في هذا العمل كموقف الجندي المهاجم في ساحة الحرب. فمن المؤكد أنه سيجابه صعوبات عديدة. ومن المحتمل أن يتعرّض إلى ضربات “السهام والمقلاع” من الكلام اللاذع، بل لِما هو أفظع من ذلك. قد يتعرض إلى ثورة غضب “كنار البندقية”، أو ضرر موجع “كقذيفة مدفع”. ومثل هذه المعاملات قد تهينه أو تؤلمه، ولكن يجب ألا ترهبه؛ بل حتى لن تربكه إلا بصعوبة. ففي مثل هذه الأحوال تُختبر صلابة تصريحاته البطولية عن الإيمان، التي كثيراً ما خطرت على باله وكثيراً ما تفوه بها. لقد تكلم كثيراً عن النضال. لقد تحدث عن السعى فى طلب النفوس الضالة، النفوس الأسوأ بين بني البشر؛ وها هو قد وجدها الآن، فلا يحق له إذاً أن يتذمر. ولماذا يجب أن نندهش من رؤية الرديء يسلك بشكل رديء، والأسوأ يتصرف بدناءة
وبإختصار، على عضو اﻠﻠﭽيو ماريا، في كل ظرف به صعوبة خاصة، أو عند مجابهة الخطر، أن يُذَكِر نفسه: “المعركة قد بدأت!” إن هذه العبارة التي تدفع شعباً يخوض الحرب إلى التضحية بكل شيء، ويجد فيها عضو اﻠﻠﭽيو ماريا سلاحاً وشجاعة للجهاد لأجل خلاص النفوس، وتزيده تصميماً على العمل في الوقت الذي قد يتقاعس فيه الآخرون
من أراد أن يتكلم بجدية عن النفوس الثمينة والخالدة، عليه أن يكون مستعداً لدفع ثمن من نوع ما لأجلها. وما هو الثمن، وسيُدفع عن طريق مَنْ؟ والجواب هو أنه إذا طُلب إلى العلمانيين أن يواجهوا مخاطرة أو مجازفة معيّنة، فمن سيقوم بهذا العمل سوى أولئك الذين تفانوا لأن يحملوا لقب أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا؟ وإن كان هناك تضحيات عظمى تُطلب من العلمانيين الكاثوليك، فلن تُطلب هذه التضحيات إلا من أولئك الذين تطوعوا بإختيارهم التام، لخدمة تلك الواقفة على الجلجثة؟ فبكل تأكيد هم لن يتخاذلوا إذا تمت دعوتهم لمثل هذا العمل
أما القيادة فقد تفشل، إذا ما أخطأت في العناية المفرطة لمَنْ تقودهم. لذا يحرص المرشدون الروحيون والضباط المسؤولون، أن يخلقوا في الأعضاء شجاعة مثالية، تقترب من شجاعة ضحايا الكولوسيوم Colosseum (ساحة التعذيب والإعدام في روما القديمة). وقد تبدو هذه الكلمة لا واقعية في حسابات عالم اليوم. غير أن الكولوسيوم كان حساباً أيضاً: حساب الكثير من المسيحيين الرائعين – الذين لم يكونوا أقوى ولا أضعف من أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا – والذين قالوا لأنفسهم: “ما هو الثمن الذي يستطيع الإنسان أن يدفعه لأجل إحدى النفوس؟” فالكولوسيوم يلخص بكلمة واحدة، الكلمات الكثيرة التي قيلت في الفصل ٤ عن خدمة اﻠﻠﭽيو ماريا، وذاك الفصل لم يُعَدّ ليعبّر عن مجرد عواطف
إن العمل المريمي في الأوساط المهملة أو المهجورة، يكون دائماً صعباً، وطويل المدى. مفتاحه يجب أن يكون الصبر الأسمى. فالعمل هنا يتم مع فئات لا ينهض أفرادها إلا بعد سقطات عديدة. فإن وضعنا الإنضباطية في المرتبة الأولى في التعامل معهم، فلن نتمكن من تحقيق شيء على الإطلاق. ففي وقت قصير يخسر النظام الصارم الأشخاص المراد معالجتهم، ولا يبقى منهم سوى المرضى الأقل حاجة إلى المعالجة. لذلك، يجب القيام بالعمل على أساس مبدأ القيم المعكوسة، بمعنى، الإهتمام أولاً بأولئك الذين يعتبرهم حتى المتفائلون حالات لا أمل فيها، فهم أولئك الذين يستحقون هذا الوصف لفساد عقولهم، وعدم مبالاتهم في الإستجابة للعمل المريمي. إن الحقيرين، والحقودين، والمفمعين كراهية، والمنبوذين من كل الناس وكل المجتمعات، وحثالة المدن، كل هؤلاء يجب المثابرة المستمرّة في العمل لأجلهم، على الرغم من الصد، وخيبة الأمل، ونكران الجميل، والفشل الظاهر. فكثيرون من هؤلاء قد يشغلون في المستقبل صفوف اﻠﻠﭽيو ماريا حياتهم كلها
من الواضح أن هذا العمل القائم على مثل هذه الأفكار، يتطلب صفات بطولية ونظرة فائقة الطبيعة. إن مكافأة هذا العمل الشاق تكون في رؤية هؤلاء الأشخاص الذين عملنا من أجلهم، يموتون وهم في حالة صداقة مع الله. فيا للفرح بأن صرنا نتعاون مع
“ذلك الذي، بصبر طول الأيام، من الوحل، إنتشل إلى الحياة أناساً يسبحونه على الدوام!
(الكاردينال الطوباوى نيومن: حلم جيرونتيوس)
لقد أطلنا في الحديث عن هذا العمل الخاص، لأنه في الحقيقة يتعلق بروح اﻠﻠﭽيو ماريا بأكملها. فضلاً عن أنه مفتاح كل الخدمات التي تؤديها المنظمة للكنيسة. لأن فيه إثبات خاص للمبدأ الكاثوليكي القائل بأن حتى أدنى طبقة من البشر، لها مكانتها المهمة في علاقاتنا، بغض النظر عن مدى رضانا عنها أو تقديرنا لها، وذلك لأن في مثل هذه الحالات يجب أن نرى ونكرّم ونحب السيد المسيح
إن الدليل على وجود هذه المحبة الحقة هو ظهورها في الأحوال التي تشكل إختباراً لها. والإختبار الجوهري يقوم بأن نحب أولئك الذين تأبى الطبيعة البشرية المجردة أن تحبهم. هذا هو الإمتحان القاسي الذي يميّز المحبة الحقيقية من المحبة الزائفة. إنه محور الإيمان، ونقطة جوهرية في المسيحية، إذ بدون المثال المسيحي الأسمى، لا سبيل إلى وجود مثل هذه المحبة ببساطة. إنه تصوّر رائع إذا لم يتم فصله عن الجذور التي تعطيه معنى وحياة. فإذا كان الإنجيل قائم من أجل الإنسانية فى حد ذاتها، فيجب الحكم على كل شيء من زاوية منفعته الظاهرية لهذه الإنسانية. وبموجب هذا المبدأ، فإن كل شيء لا قيمة له للإنسانية، من المعقول إعتباره بحسب هذا المنطق مساوياً لما يعتبر خطيئة فى التدبير المسيحى، أي إنه مثل أى شىء يجب إزالته مهما كلف الأمر
إن هؤلاء الذين يبرهنون بأمثلة التضحية بالذات على المحبة المسيحية الحقة في أسمى مظاهرها، يؤدون للكنيسة خدمة فائقة السمو
“تقول: إنه من الصعب إحتمال الشرير. نعم، ولهذا السبب بالذات يجب أن تكرّس نفسك بمحبة من أجله. فهدفك سيكون فطمه عن طرق الرذيلة، وحمله على الفضيلة. ردّك السريع يكون دائماً بأنه لا يسمع منك ولا يتبع نصائحك. فكيف تكون متأكداً من ذلك؟ هل سعيت من أجله، وبذلت جهدك لتعيده إلى صوابه؟ جوابك يكون بأنك فعلت ذلك مراراً. ولكن كم تكررت هذه المحاولة؟ مرّات كثيرة، تجيب، ومرّة بعد مرّة. فهل تحسب ذلك كثيراً؟ بل يجب عليك ألاّ تتخاذل أو تيأس حتى ولو فعلت ذلك مدى حياتك كلها. أفلا ترى كيف يوجّه الله إلينا تعالميه المتواصلة بلسان الأنبياء والرسل والإنجيليين؟ وما هي النتيجة؟ إننا أحسنّا التصرف، وأطعنا في كل شيء؟ للأسف لا. وبالرغم من ذلك لم يكفّ الله عن محاولة الدفاع عنّا. ولماذا؟ لأنه ما من شيء أثمن من النفوس. ‘ماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفسَه؟’ متى ١٦: ٢٦)
(القديس يوحنا فم الذهب) ٧. العمل من أجل الشبيبة “إن الرب يسوع خصّ الأطفال، بلا شك، بمحبته الرقيقة والسمحة، كما خصهم ببركته، وأمّن لهم فوق هذا، ملكوت السموات، (أنظر متى١٩: ١٣-١٥؛ مر١٠: ١٤). وقد أشاد خصوصاً بالدور الفعال، الذي يضطلعون به في ملكوت الله: إنهم الرمز البليغ والصورة المشرقة للمزايا الأدبية والروحية، التي يجب توفرها لدخول ملكوت الله، وللحظوة بحياة ملؤها الثقة بالرب: ‘الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِن لم تَرجِعوا فتَصيروا مِثلَ الأَطفال، لا تَدخُلوا مَلكوتَ السَّمَوات. فمَن وضَعَ نفسَه وصارَ مِثلَ هذا الطِّفل، فذاك هو الأَكبرُ في مَلَكوتِ السَّموات. ومَن قَبِلَ طِفْلاً مِثلَه إِكْراماً لإسمي، فقَد قَبِلَني أَنا’. (متى١٨: ٣-٥ ؛ أنظر لو٩: ٤٨)” (دعوة ورسالة العلمانيين في الكنيسة والعالم، البابا الطوباوى يوحنا بولس الثاني،١٩٨٨ -٤٧)
ما أعظم مستقبل الكنيسة، إذا كان هناك ضمان لثبات الشبيبة في الإيمان والطهارة. عندها، وكعملاق قد تيقظ، تلقي الكنيسة بنفسها بإتجاه رسالتها لهداية العالم الوثني، فتنجز ذلك خلال وقت قصير. أما الآن، فهي تبذل معظم جهودها فى المعالجة المؤلمة لأوجاعها الداخلية.
علاوة على ذلك فإن الوقاية أسهل من العلاج. أما اﻠﻠﭽيو ماريا فستهتم بالأمرين معاً، لأن كليهما جوهري وحيوي. ولكنها من المؤكد أنها لن تهمل أسهل الأمرين، أي الوقاية. فيمكن إنقاذ الكثير من الأطفال من كارثة تقود إلى أزمة مستقبلية بسبب تشكيل شخص بالغ سىء السلوك.
وفيما يلي بعض مظاهر المشكلة:
(أ) حضور الأطفال للقداس. كان أحد الأساقفة يرسم خطة عمل ﻠﻠﭽيو ماريا، فوضع في مقدمة الأعمال مهمة تنظيم حملة دينية بين الأطفال لحضور قداس الأحد. وإعتبر أن إهمال الأطفال للقداس، هو المصدر الرئيسي لكل مشاكلهم في المستقبل. إن زيارة الأطفال في بيوتهم صباح يوم الأحد (حيث يتعرف على أسمائهم من سجل المدرسة ...إلخ)، لها مفعول عظيم.
لا بد من الأخذ بعين الإعتبار، أنه من النادر جداً أن يكونوا الأطفال أشراراً من أنفسهم. وإذا أهملوا وصية كحضور قداس الأحد، فمن المؤكد أنهم ضحايا إهمال الوالدين، والمثل الرديء، وعلى اﻠﻠﭽيو ماريا أن تعمل واعية بهذا الشر الإضافى.
في حالة الأطفال، أكثر من أي حالة أخرى، فإن الزيارات المتعجلة أوالقصيرة الأمد، لا تُنجِز إلا القليل أو لاشىء على الإطلاق.
(ب) زيارة الأطفال في بيوتهم. يجب التشديد على نقطة مهمة تتعلق بزيارة الأطفال في بيوتهم، وهي أن بيوت الأسر التي يتعذر على رسل الدين زيارتها لأسباب عديدة، تصير زيارتها مضمونة وسهلة إذا كان السبب المعلن للزيارة هو الإتصال بأطفال هذه الأسرة. وهذه الحقيقة نابعة من العلاقة الطبيعية بين الأباء والأبناء، فغيرتهم على أبنائهم تفوق غيرتهم على أنفسهم. إن الأباء العاديين يهتمون بمصالح أبنائهم حتى ولو على حساب مصالحهم الخاصة. فإن أقسى القلوب يلين بدرجة ما عندما يفكر بأولاده. وقد تموت العاطفة الدينية في بعض الأشخاص، ولكن غريزة عميقة متأصلة فيهم تدفعهم لأن لا يتمنوا نفس المصير لأولادهم، ويشعرون بسعادة فائقة عندما يرون آثار النعمة في أولادهم. ونتيجة لذلك فإن الشخص الذي يرفض بفظاظة أو حتى بعنف، أولئك الذين يحاولون الإتصال به مباشرة في رسالة روحية، يقبل بطيب خاطر الأشخاص أنفسهم عندما تكون رسالتهم موجهة لأولاده.
تابع قراءة الفصل تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح