الفصل الثامن والثلاثون
الباتريشيون النبلاء تأسست جماعة النُبلاء أو الباتريشيون سنة ١٩٥٥. أما هدفها فهو بناء وترسيخ معرفة الشعب الدينية، وتعليم الجماهير كيفية التعبير عن أفكارهم، وتشجعيهم على حمل الرسالة. أما أسلوبها فقد بدأ بشكل تجريبي إلا أنه بقي دون أي تغيير. وبالرغم من أن العقول إنشغلت في بادئ الأمر بإقتراح تغييرات جديدة، فقد ظهر أن تلك التغييرات المُقترحة لم تكن سوى عودة إلى أساليب قديمة كانت متبعة قبلاً: كصفوف التعليم المسيحي، ونظام المحاضرات، وجلسات السؤال والجواب. إن لكل من هذه الأساليب مكانته الجوهرية، إلا أنها لا تتماشى مع ما قد يكون مشكلة الكنيسة الجذرية: الجهل الديني عند الكبار وشلل ألسنة العلمانيين. ولقد أثبتت جماعة النبلاء جدارتها في الحقل المذكور، ولذلك يجب حمايتها بكل غيرة. إن أسلوبها يتحلى بالإتزان الدقيق، وأقل تدخل فيه كفيل بتحويلها إلى شيء آخر يختلف كل الإختلاف، تماماً كالتغيير البسيط الذي قد يطرأ على ضبط موجة المذياع فيأتينا بمحطة إذاعية مختلفة تماماً.
بإستطاعة الأساليب الأخرى تهيئة شخص أو بضعة أشخاص مُحَنكين يقومون بمهمة إرشاد عدد آخر سواهم، غير أن أسلوب النبلاء وهو أسلوب اﻠﻠﭽيو ماريا نفسها، هو النهج الموحد تجاه الواجب الذي بين أيديهم. فالجميع يعملون معاً في سبيل البحث عن المعرفة تدل التحليلات على أن جماعة النبلاء هي إبنة حقيقية ﻠﻠﭽيو ماريا، لأنها تحتوي على مختلف العناصر المميَزة التي تتّحد لتُشكّل اﻠﻠﭽيو ماريا ذاتها؛ فهي تصوّر لنظام اﻠﻠﭽيو ماريا ضمن نطاق التعليم الديني
وفي هذا المجال بالذات، تتولى مريم الإشراف بنفسها. فقد كانت هي التي جلبت يسوع للأرض ووهبته للعالم. فأصبحت مسؤولة عن كل إتصالاته اللاحقة مع البشر. فسيادة مريم هذه يُرمز إليها من خلال مذبح اﻠﻠﭽيو ماريا الذي يجب أن يكون في مركز إجتماع النبلاء. فهم يجتمعون حولها ليتحدثوا عن الكنيسة في مختلف جوانبها، أي عن يسوع الحاضر فى وسطهم، حسب وعده. وهذا شكل رفيع من الصلاة يسهله التنوّع الحاصل في الإجتماع؛ لأنه من الصعب قضاء ساعتين متتاليتين من الصلاة المنتظمة. ولهذا السبب تتقوى جماعة النبلاء في الروحانيات أثناء إهتمامها بالتعليم في آن واحد إن أول مطلب في الفرقة هو الحصول على تقرير شفهي من كل عضو. وجماعة النبلاء تعزف اللحن نفسه؛ فهدفها الأول هو إستخراج مشاركة من كل فرد بكلام مسموع. أما ترتيب وتدبير الجلسات فينبغي توجيهها نحو هذا الهدف. من الضروري أن يتحلى جو الإجتماع بروح الصداقة وبالتقدير المتبادل، كأنه حقاً جو عائلي يستطيع فيه كل فرد، بالرغم من ثرثرة بعضهم، أن يُبدي آراءه. إن وجود هذا الجو العائلي الذي يجمع الأفراد، مرتبط بغياب ما قد يُعكّر صفوه. فالأساليب الإعتيادية في النقاش العام تُبنى على المهاجمة، والإتهام، والسخرية. فإذا ظهرت هذه الصفات في إجتماعات النبلاء، إنحل رباطهم سريعاً، وإختفى الأعضاء من الفرقة أمّا إذا سادت روح العائلة على مثل تلك الإجتماعات، بحيث يشعر “حتى أصغرهم” وكأنه في بيته، كان أساس جماعة النبلاء راسخاً. فكل فكرة تظهر، تؤدي إلى ظهور فكرة أخرى، تماماً كما تشد حلقات السلسلة بعضها بعضاً. وهكذا تملأ فراغات المعرفة وتلتئم الأفكار المُبعثَرة لتُشكل فسيفساء العقيدة الكاثوليكية. فكلما نمت الرغبة في المعرفة، إتحد الأفراد أكثر في جسد المسيح السري، ونفذت حياته فيهم
وفي مظاهرها الأخرى أيضاً، تُمثل جماعة النبلاء تطبيقاً لعقيدة المنظمة المريمية وأسلوبها. فمن المهم جداً أن يدرك أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا هذا الواقع بحيث يقومون بأعمال جماعة النبلاء بنفس نوع القناعة التي يعطونها لأعمال الفرقة. فيصبحون حينئذ مهيئين جيداً لمجابهة أي عمل يواجههم إنه لواقع مؤسف حقاً أن الكاثوليك لا يتحدثون عن أمور الدين مع مَنْ هم خارج الكنيسة، ونادراً ما يقومون بذلك مع مَنْ هم بداخلها. فهناك إصطلاح تم إستحداثه عن فقدان الرؤية المسيحية هذه: “البُكْم”. ويلخص الكاردينال سواننس Suenens الموقف كما يلي: “يُقال إن من كانوا خارج الكنيسة لا يسمعون. ولكن الحقيقة الواقعة أن الكاثوليك لا يتكلمون.” ويبدو أن القضية هي أن الكاثوليكي العادي لن يساعد غيره في مجال الدين. أما الباحثون الصادقون فلن يجدوا من يعطيهم المعلومات التي يبحثون عنها، مما يؤكد الإنطباع السائد عن الكاثوليك وهو أنهم لا يكترثون للإهتداءات إن هذا الفشل الكبير قد يهدد الكيان المسيحي ذاته، لأن المسيحية ليست أنانية. ولكن الموقف ليس رديئاً إلى هذا الحد. فالصمت وعدم الإكتراث الظاهري ناتجان عامة عن نقص في الثقة
(أ.( فأولئك الأشخاص واعون تماماً لمدى ضعف معرفتهم الدينية. لهذا السبب، فهم يتجنبون أيه فرصة قد تكشف عن ضعفهم فى وضح النهار
(ب.( وحتى إذا تواجدت معرفة ذات قيمة، فموادها مبعثرة، تماماً كأجوبة كتاب التعليم المسيحي. فالعقل لم يتقن بعد عملية جمعها فيما بينها لتعطي شكلاً متناسقاً، كما هو الحال على سبيل المثال، في السيارة أو في الجسم البشري. إضافة إلى ذلك، هناك تعقيدات أخرى؛ كنقص في بعض المواد، أو عدم تناسب المواد الأخرى فيما بينها. فحتى إذا تم تجميعها، تكون النتيجة شبيهة بآلة بها أجزاء لا تتكامل مع بعضها، وبالتالي لن تؤدي هذه الآلة عملها
(ج.( وفي كثير من الأحيان يكون هناك درجة من الجهل تظن أن الإيمان ليس لديه ما يكفى من العلم لكى يرتكز عليه. فتسيطر حالة من شبه الإيمان. فما أن يلتقي صاحب هذه الحالة مع محيط غير ديني حتى يعانى من تحطم إيمانه
تلك هي المشكلة فالنبلاء هم جماعة تخضع لرقابة اﻠﻠﭽيو ماريا. كل فرع منها يجب أن ينتسب إلى فرقة مريمية، ورئيسها يجب أن يكون عضواً عاملاً في اﻠﻠﭽيو ماريا. ويمكن لفرقة واحدة أن تتعهد عدة فروع من النبلاء. ويجب أن يكون لكل فرع مرشد روحي يوافق على تعيينه مرشد الفرقة الروحي. ومرشد النبلاء يمكن أن يكون كاهناً أو راهباً أو راهبة أو شخصاً علمانياً (بموافقة السلطة الكنسية على ذلك) إن مصطلح النبلاء (الباتريشيون)، كباقي المصطلحات المريمية، مستمد من مصطلحات روما القديمة. فالنبلاء كانوا أرفع طبقة من الطبقات الإجتماعية الرومانية الثلاث وهي: الباتريشيون أو النبلاء، والعامة، والعبيد. إلا أن النبلاء في اﻠﻠﭽيو ماريا يطمحون إلى دمج هذه الطبقات الإجتماعية في طبقة روحية نبيلة واحدة. فضلاً عن ذلك، كان من المفترض أن يكون النبلاء مملوئين بالمحبة لوطنهم والحرص على خيره ورفاهيته. لذلك فعلى نبلائنا أن يكونوا داعمين لوطن الأجداد الروحى، وهو الكنيسة. فالنظام لا يفرض على النبلاء أن يكونوا ورِعين أو حتى كاثوليك ممارسين، بل فقط أن يكون إخلاصهم للكثلكة جهراً. أما الكاثوليك المتأصلين في عدائهم للكثلكة، فلا يدخلون في هذه الفئة
لا يحق لغير الكاثوليك حضور الإجتماعات، ما لم يُعلِن الأسقف غير ذلك تُعقد إجتماعات النبلاء شهرياً. المواظبة والإستمرارية شرطان أساسيان. لا يجوز إهمال الإجتماعات ما لم يكن من المستحيل إنعقادها. لا يُلزم العضو بحضور جميع الإجتماعات. من الضروري إعتماد نظام معيّن لتذكير الأعضاء بموعد إنعقاد الإجتماع التالي يُستحسن ألا يزيد عدد الأعضاء في الفرع الواحد عن الخمسين عضواً، ولهذا العدد أيضاً صعوباته الخاصة وضعية الإجتماع: من المُفضل أن يتم تجنّب الترتيب المسرحي؛ أي منبر وجمهور؛ كما يجب تجنب الفوضى أيضاً. فعلى قدر المستطاع يجب ترتيب المقاعد على شكل نصف دائرة، مع منضدة تكمل هذه الدائرة. ينصب على المنضدة المذبح المريمي كاملاً مع ضرورة وجود الراية Vexillum يجب أن تتوفّر في الإجتماع كل شروط الراحة والجاذبية، بما فيها المقاعد المريحة، والإضاءة، ودرجة الحرارة تُغطَّي النفقات من خلال اللمّات السرية، ويُقَدم في كل إجتماع كشف بكل الحسابات
ترتيب الإجتماع ١. يبدأ الإجتماع بصلاة جماعة النبلاء، يتلوها الأعضاء بتناغم، وقوفاً ٢. يلي الصلاة ورقة عمل أو حديث، لا تتعدّى مدته ١٥ دقيقة، حول موضوع النقاش يلقيه شخص علماني. فهذا الحديث لا يقتضى تجاوز تلك المدة. وإذا تجاوزها يُصبح ضاراً كأي شيء مبالغاً فيه. كما ليس من الضروري أن يُلقِي الحديث خبير مختص. فالإختصاص قد يعني فيض من العلم، وإطالة زائدة، من شأنها تدمير الإجتماع منذ بدايته. وقد تم الإقتراح من جهة أخرى، الإستغناء عن ورقة العمل، إلا أنه من الواضح ضرورة القيام ببحث تحضيري حول الموضوع. لا يمكن التأكد من إتمام هذه المهمّة، ما لم يكلف شخص معين بإنجازها. وينتهي الإجتماع بمواد أوليّة للعمل عليها ٣. يلي ورقة العمل مناقشة عامة. فكل أجزاء الإجتماع الأخرى تتواجد لأجل تلك الفقرة، كما يجب أن توجّه لرفع فاعلية هذه المناقشة لأقصى درجة. ولا تكون المناقشة حقيقية ما لم يُشارك فيها جميع الأعضاء. فمشكلة النبلاء تنحصر في تشجيع أشخاص غير مزوّدين أساساً بالمواد الضرورية للمحادثة أو غير متحمسين لها، على أن يشاركوا. فهذه المشكلة يجب حلها في سبيل خير هؤلاء الأشخاص أنفسهم وسلامة الكنيسة.
بناء عليه، كل مساعدة مقدَمة يجب أن تأتي ثمارها، وكل تأثير مُعاد يجب القضاء عليه. وكل تصرّف قاس تجاه مَن يخطىء أو مَن يُعقّب تعقيباً سخيفاً (وقد تكون كثيرة)، سيكون خطأ قاتلاً. وهذا يحبط غاية جماعة النبلاء وهي إستمالة كل فرد ليعبر عما بنفسه وينفتح على الآخرين. لذلك فإن حرية الكلام هي أمر مهم جداً، وتشجيعها واجب حتى ولو تمّ التفوه بأمور تافهة. ولنتذكر دائماً أن تلك الأقوال تردد في الخارج كجوقات لا تجد من يُقَوّمها.
المهم هو أن يساهم كل عضو بالمناقشات، لا أن تكون مساهمته حكيمة أو صحيحة. فالمتفوقون قد يلمعون أكثر، أما العاديون فينتجون أكثر؛ فهم يدربون ضعيفي القدرة على التعبير
ومن المهم نفسيّاً أن يكون الإشتراك في النقاش موجّهاً إلى الإجتماع نفسه، وليس لأى شخص محورى فيه. فالفكرة هي أنه عندما ينتهي المتحدث من الكلام، يبقى كل مستمع وجهاً لوجه مع ذلك الحديث، وكأنه ينتظر منه التعقيب، تماماً كما لو كان الحديث يجري بين شخصين. وفي مثل هذه الحالة نرى الجواب يأتي عفوياً، فهذا الرد السريع هو الحالة المنشود بنائها فى جماعة النبلاء. فإن كانت أفكار الناس شاردة إلى أمور خارجية أخرى، سيختل هذا التوازن النفسي. يمكن على سبيل المثال خلق مثل هذا الشرود، إذا ما أراد رئيس الإجتماع أن يلفت النظر إلى شخصه بتوجيه ملاحظة أو عبارة تقدير؛ أو لقارىء ورقة العمل الذي يتدخل تكراراً للحث على الأخذ ببعض النقاط الواردة في خطابه؛ أو المرشد الروحي الذي يحاول تذليل الصعوبات كلما ظهرت. فكل إنحراف في هذه الإتجاهات سيكون هَدّاماً. حيث يتحول الإجتماع إلى حلقة نقاش يطرح فيها بعض الأفراد أسئلة وبعض ذوي الخبرة يَردّون عليها
من المستحسن أن يتم خلق جو يُساعد ويُشجّع الأشخاص الخجولين على التحدث
على رئيس الإجتماع أن يكون متسامحاً بشأن التدخّلات الفردية البعيدة عن الموضوع. لأن دعوة أحد الأعضاء للتقيد بالنظام، قد يكون له تأثير يخيف جميع الحاضرين. ولكن إذا أدّى ذلك الخروج عن الموضوع إلى إبتعاد الآخرين عن المسار، فلا بد للرئيس من إعادة الأمور إلى نصابها
على الأعضاء أن يتكلموا وهم واقفون. قد تتدفق المساهمات بحرية أكثر لو بقي المتحدث جالساً. ولكن يُخشى أن يتحول النقاش إلى تبادل آراء غير مرتب، لا يمكن أن يكون أكثر من حديث عادي فقط
لا تُحدد مداخلات الأعضاء بمداخلة واحدة فقط. إلا أن مَن لم يعطِ رأيه بعد، له أولوية التدخل في الكلام عن مَنْ قد تكلم مسبقاً ٤. يتم تعليق النقاش بعد ساعة من بدء الإجتماع. قبل تلك النقطة، مباشرة يتم إعطاء البيان المالي مع التذكير بأن اللمة السرية ستدور بين الأعضاء بعد كلمة المرشد الروحي مباشرة ٥. يلي ذلك تقديم بعض المشروبات الخفيفة (الشاي أو القهوة والبسكويت مثلاً). وتعتبر هذه ميزة أساسية في الإجتماع ولا يجوز التخلي عنها. لأنها تحقق عدة أهداف بالغة الأهمية منها: (أ) تُفصح عن مظهر التعاون الإجتماعي للنبلاء؛ (ب) تُسهّل تبادل الأفكار ووجهات النظر؛ (ج) تحل عقدة الألسنة؛ (د) تُفسح المجال أمام فرصة الإتصال الرسولي بين الأعضاء إقترح بعضهم صرف النظر عن تقديم المُرطبات، والإحتفاظ بفترة الإستراحة لأجل تحقيق الأهداف المذكورة. ولكن في الواقع ليس من السهل تبرير وجود فترة الإستراحة إذا لم تُقدم المُرطبات
تدوم فترة الإستراحة لمدة ١٥ دقيقة ٦. يتبع ذلك حديث للمرشد الروحى يستمر خمسة عشر دقيقة. كل شيء في الإجتماع قد تم في إتجاه هذا الحديث، لذا يجب أن يُصغى إليه بإنتباه مُركّز. إنه عنصر حيوي، يَطرح بشكل منظم وصحيح، موضوع مادة البحث، ويرفعه إلى أسمى مستوى، ويلهم الأعضاء إلى أرفع آيات محبة الله وخدمته
لقد قيل: لِما لا يؤجل حديث الأب المرشد حتى النهاية، فيأخذ بعين الإعتبار جميع ما قيل سابقاً في الإجتماع؟ أما الجواب فهو أن القصد من الحديث هو تقديم مواد قيّمة لنقاش آخر. ولا يمكن تحقيق ذلك فيما لو تُرِكَت كلمة المرشد الروحي إلى النهاية. وهناك سبب آخر. فقد لا يفهم بعض الحاضرين فهماً كاملاً حديث الأب المرشد، وفي هذه الحالة يلعب “مبدأ التفسير” (الذي سيتم شرحه لاحقاً) دوره أثناء متابعة النقاش. ٧. بعد حديث المرشد الروحي، تستمر المناقشة العامة حتى نهاية الإجتماع بخمس دقائق ٨. بعدها: (أ) يُعبّر رئيس الإجتماع بإختصار عن تقدير المجتمعين لِمَنْ ألقى ورقة العمل؛ ولا داعي هنا للحصول على أصوات شكر إضافية؛ (ب) يُحدد موضوع الإجتماع التالي. يجب أن تُركّز المواضيع على الدين؛ أما المواضيع الأكاديمية، والثقافية، والأدبية والإقتصادية البحتة فيجب تجنبها؛ (ج) القيام بأية إعلانات أخرى ٩. وأخيراً صلاة الختام، حيث يُتلى قانون الإيمان من جميع الأعضاء وقوفاً ١٠. ينتهي الإجتماع ببركة الكاهن. ينالها الحاضرون وهم واقفون، تجنباً للفوضى التي قد تحدث من محاولة الركوع بين الكراسي، في غرفة مزدحمة بالحاضرين
وبهذا تكون مدة الإجتماع الإجمالية ساعتين. أما الدقة في المحافظة على الوقت خلال الإجتماع، فهو أمر إلزامي. فإذا تجاوز أحد الأجزاء الوقت المحدد له، تأثرت بقية الأجزاء وإختل توازن الإجتماع. يوجد جدول يلخص أجزاء الإجتماع والزمن المحدد لها فى صفحة ؟؟ / ؟؟
ينبغي ألا يكون هناك أي إيجاز في الإجتماع. ولا داعي للتكدّر إن لم يتم حسم بعض الأمور الهامة. فستكون هناك إجتماعات تالية وتالية، حتى تُستكمل فيها الأبحاث إلى النهاية لا توجد أعمال إلزامية. كما لا تُقسّم الأعمال في الإجتماع. ولا يجوز الضغط على الأعضاء للقيام بنشاطات إضافية. ولكن الإتصالات الفردية الودية التي نَمَت، يجب إستخدامها لتقود الناس إلى كل الطرق، ولا سيما نحو العضوية المريمية، العاملة والمساعدة، أو المعاونة. وإذا ما إستُخدِمَت جماعة النبلاء بحكمة، فإن بإستطاعتها أن تطلق للوجود تأثيرات دافعة قوية، إلى حد يمكن أن يجني كل فرد في الجماعة فوائد عظيمة بعض مبادئ جماعة النبلاء ١. السلوك النفسى للجماعة. إن الناس بطبيعتهم يحتاجون إلى مساعدة بعضهم بعضاً، لذلك يتألفون في جماعات. وتُمارس الجماعة نفوذها بقدر ما يكون لها شرائع وروح. ويحاول الفرد جاهداً مجاراة ركب الجماعة التي ينتمي إليها، وهذا واقع يمكنه أن يعمل للخير أو للشر. فيتوقف الإفراد عن أن يكونوا سلبيين تماماً، ويشاركوا فى حياة الجماعة. فإذا شعر وكأنه في بيته داخل هذه الجماعة، فسيكون بلا شك قوة دافعة لها. وتطبيق هذا المبدأ على النبلاء يعني ضغطاً هادئاً لكن لا يمكن مقاومته، يفرض نفسه على جميع الأعضاء، حتى المتراجعين منهم، ليستوعبوا ما يسمعون ويتفوقوا في مجالات أخرى. ومما لا شك فيه أن أى جماعة، أثناء إنجازها مثل هذا العمل العظيم، قد تجد نفسها عاجزة عن التقدم. أما جماعة النبلاء فهي مجهزة ضد هذا الإخفاق، من خلال أعضاء قادرين على تأمين تدفق الأفكار الراقية. وبفضل القوة النفسية لتلك الجماعة، يتشرب الأعضاء هذه الأفكار، ولذلك فمن الممكن جعل الجسم ينمو بشكل نوعى طوال الوقت ٢. التوقفات المؤلمة. إن فترات الصمت الطويلة بين المداخلات في النقاش، يمكن أن تكون دليل إرتباك أو إحراج. وفي هذه الحالة قد يميل رئيس الإجتماع إلى ضغط الأعضاء ودفعهم إلى الكلام. وسيكون ذلك سياسة خاطئة. فقد يولّد شعوراً بالتوتر، ويجعل كل فرد أقل رغبة في الكلام. إن وجهة النظر الصحيحة في هذا المجال هي أن الأعضاء لا يشعرون بحاجة إلى الحديث دون توقف، كما هو الحال في أية عائلة، وأن فرصة الإنقطاع عن الحديث توفر للجماعة بعض الراحة. لذلك عندما يحل الصمت في إجتماع النبلاء، فيجلس الجميع بهدوء كما لو كانوا في بيوتهم. فلا بد للصمت أن ينقطع، وعندئذ يتبعه بشكل تلقائى جو من الراحة تتحرك فيه الألسنة بحُرية ٣. تأجيل الحل. هناك طريقتان لحل مشكلة ما: الأولى هي الحصول على الجواب من شخص خبير. والثانية هي محاولة حلها شخصياً. وتبدو الأولى وكأنها الطريقة المباشرة الصحيحة، ومعظم التعليم يرتكز عليها. أما عيبها فهو أن نصف الجواب غالباً ما يبقى غير مفهوم، وأن موارد التلاميذ وشعورهم بالمسؤولية لا يتم تطويره. أمّا الطريقة الثانية فتتطلب بلا شك جهداً أكبر. لأنها تلقي المشكلة على الدارسين أنفسهم. فيجب أن يقوموا ببذل جهدهم الشخصى. وعندما يُقدمّون مشكلتهم الصعبة، يتم إعطاؤهم إرشاد المتخصصين. بعدها يُتركون وشأنهم ليكافحوا أكثر من ذي قبل في حل المشكلة. وتكون النتيجة النهائية لهذه العملية من مساعدة الذات المُدعمة هي أنهم قد تعلموا حقاً الدرس المطلوب. لأن الحل قد جاء ثمرة عملهم البطيء، وهم مرتاحون له تماماً، وسيتذكرونه دائماً، وقد إكتسبوا من خلاله ثقة بأنفسهم ستساعدهم في المستقبل. هذا هو أسلوب النبلاء. وهو يقتضي أنه إن حدث أو قيل شيء ما في غير مكانه، أن لا يصحح فوراً وبحزم من قِبل السلطات، بل أن يُترك لرحمة الحوار والنقاش. وغالباً ما ينتهي الموضوع عند ذلك الحد. وإن إستفحل هذا الخطأ، يجب عندها تقويمه دون تعريض صاحبه للإهانة
فلنُفكّر دائماً بالقديسة مريم تعلم وتربّي إبنها ٤. طرح الأسئلة. إن قواعد المحاضرة تقر بالرغبة في خلق تفاعل لدى السامعين، وبناء عليه فإنها تدعو إلى طرح الأسئلة. فيستجيب لها بعض الحاضرين؛ وعندئذ يردّ عليها المُحَاضر. أما جماعة النبلاء، فعلى العكس من ذلك، لا ترحب بهذه الطريقة، بل تعتبرها إنقطاعاً للنقاش والأسئلة الدائرة – تماماً كمثل إنقطاع التيّار الكهربائي عندما يحدث الماس الكهربائي. فكثيرون، في البداية، لا يكون لهم أفكار جديدة للمساهمة في النقاش، سوى طرح الأسئلة على بعض الأشخاص البارزين. فإذا حاول هؤلاء الإجابة، يكونون قد سددوا للنقاش لطمة قاسية. لأنهم حوّلوه إلى صف مدرسي سرعان ما يغادره الطلاب فالقاعدة الذهبية هي أن مَن سيُجيب عن سؤال يتعلق بالموضوع المطروح، عليه أن يضيف إلى الجواب شيئاً من أفكاره الخاصة. فهذه الطريقة أظهرت أنها قادرة على تحويل السؤال لما فيه خير النقاش ٥. مبدأ تأسيس جماعة النبلاء. إنه لحسن أن تُبنى المعرفة بإضافة حجر إلى حجر كما يقال. ولكن الذي يجري في جماعة النبلاء هو المضاعفة لا الإضافة. فجماعة النبلاء تُبني بحجارة حيّة، بحيث أن كل فكرة أو إضافة جديدة تتفاعل مع كل ما قيل سابقاً، فتنبثق منه وتؤثر بدورها عليه. وهكذا تتعدل الآراء وتنبت الأفكار الجديدة. وهذه العملية المعقدة التي تعمل فيها النعمة، لا بد من أن تُنتج خميراً خصباً في ذهن كل عضو. بل تنتج أيضاً مفعولاً شاملاً في الجسم كله. يمكن مقارنة هذا المفعول بمفعول التيار المتدفق. يجمع شخصيات وأفكار الأعضاء في نبض سريع وإيجابي. فذلك المنح للطاقة والتوجيه في إحياء ركود الإيمان والمظهر الديني، يجب أن يؤدي إلى تغير في الحياة ٦. الأدوار الرئيسية. كما أن الفرقة تعتمد على ضباطها، هكذا تعتمد جماعة النبلاء على أشخاص رئيسيين فيها. وعلى هؤلاء ألا يتخطوا أدوارهم. وإن فعلوا أضعَفوا دور الأعضاء العاديين. فيصبحون وكأنهم في صف مدرسي. من المهم جداً أن يتقيد المرشد الروحي، ورئيس الجلسة، وقارئ التقرير، بالوقت والحدود الأخرى المخصصة لهم، مهما كان العكس مغرياً. فمعظم الأشخاص لا يشعرون بالراحة في حضرة ذوي الخبرة والسلطة. لذلك، يجب على المسؤولين في جماعة النبلاء أن يتصرفوا وفقاً لتعاليم السيد المسيح نفسه، من أجل توصيل المعرفة للآخرين: “تَتَلمَذوا لي فإِنِّي وَديعٌ مُتواضِعُ القَلْب” (متى١١: ٢٩). ومن الممكن القول إنه بقدر ما يتوارى الأشخاص البارزين أثناء المناقشة الفعلية، تسير تلك المناقشة بحرية أكبر. إنما هذا لا يعني حصرهم المطلق في حدود وقتهم، فبإمكانهم التدخل كباقي الأعضاء العاديين، ولكن بتحفظ معقول. ٧. مبدأ التفسير. إنه أرفع سمات النبلاء جميعها. وبناء عليه فإن الأحاديث التي تبدو، لسبب أو لآخر، تفوق الإدراك الكامل لغالبية الأعضاء، تُقرّب إلى متناول فهم الجميع. وهذا يعني أن الأفكار العميقة والآراء الصعبة يمكن التعبير عنها، وتقديمها فى النهاية إلى الأعضاء الأكثر بساطة، بصورة تستطيع أذهانهم إلتقاطها. فهذه القدرة على وضع الأوفر علماً مع الأقل علماً، على قدم المساواة في فهم كل منهما الآخر، هي جوهرة غالية الثمن. وإليك شرح كيفية تحقيق ذلك: لنفرض أن حديث الإفتتاح، أو أي حديث آخر، هو على مستوى عال إلى حد أن عشرة بالمئة فقط من الحاضرين يتمكنون من فهمه. لذلك، فلو كانت محاضرة عادية، لخسرها المستمعون. ولكن في جماعة النبلاء، يقوم بعض الأشخاص من هؤلاء العشرة بالمئة الذين فهموه، بمناقشته مع الآخرين. ويقومون عمليّاً بذلك من خلال طريقة تتناغم مع مستوى أغلبية الأعضاء، بحيث إن الحديث الصعب يدخل في عملية تقريبه من الفهم العام للجميع. ثم يبدأ آخرون بالتكلم، وينتهي الأمر إلى عملية تُشبه عملية تحويل القمح إلى دقيق ناعم. فكل ما كان مبهماً في الحديث الأصلي، أصبح، كما يُقال، واضحاً ومترجماً بحسب طاقة كل الأعضاء الذهنية. وعلى هذا النحو لا يضيع شيء ساهمت فيه جماعة النبلاء
تابع قراءة الفصل تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح