الفصل الثالث والثلاثون
واجبات أعضاء اللچيو ماريا الأساسية ١. الإنتظام والمواظبة على حضور إجتماع الفرقة الإسبوعى (راجع فصل ١١، منهاج اﻠﻠﭽيو ماريا) تزداد صعوبة القيام بهذا الواجب متى يكون العضو متعباً أكثر من وقتما يكون منتعشاً، أو متى يكون الطقس سيئاً أكثر من وقتما يكون جميلاً، خصوصاً وإن كان يخطط إلى الذهاب إلى مكان آخر. غير أن الإختبار لا يظهر إلا أمام الصعوبة، ولا يكون إستحقاقاً إلا في التغلب على هذه الصعوبات
إنه لأسهل على عضو اﻠﻠﭽيو ماريا أن يُدرِك أهمية عمل ما، من أن يُدرِك أهمية حضور الإجتماع ليقدم تقريراً عن ذلك العمل، ومع ذلك فالإجتماع هو الواجب الأول. لأن أهمية الإجتماع للعمل، كأهمية الجذور للزهرة، فالثانية لا تستطيع العيش من غير الأولى
إن أمانة عضو اﻠﻠﭽيو ماريا ومثابرته على حضور الإجتماعات، رغم بعد المسافة المفروضة عليه ذهاباً وإياباً، هي دليل على رؤية فائقة الطبيعة، فإن المنطق السليم سيفسر للعضو، بأن أهمية الإجتماع تفوق بكثير بل تعوّض خسارة الوقت التي قد يسببها التنقل من وإلى الإجتماع. ولكن ليس هناك خسارة في الوقت، لأن التنقل جزء من العمل، وله نصيبه الخاص من أجر وإستحقاق العمل الذى تم بكامله. وهل كان سَفر العذراء القديسة الطويل لزيارة نسيبتها أليصابات، ضياعاً للوقت؟
“إلى فضائلها الكثيرة، أضافت القديسة تريزيا الطفل يسوع، شجاعة لا تتزعزع. وكان مبدؤها أن نمضى إلى آخر ما تبلغه قوانا قبل أن نشتكي. فكم من المرات شاركت في تلاوة صلاة الفرض الصباحية وهي تتألم من دوار وأوجاع شديدة في رأسها! فكانت تقول: “ما زلت أستطيع أن أمشي، لذلك من الواجب أن أكون في مكاني.” وبفضل هذه الطاقة المِقْدَامة، قامت القديسة بأفعال بطولية.
(القديسة تريزيا الطفل يسوع) ٢.أداء واجب العمل الإسبوعى (أ( يجب أن يكون هذا العمل “جوهرياً”، فيخصص له عضو اﻠﻠﭽيو ماريا ساعتين على الأقل إسبوعياً. لكن لا يليق بالأعضاء أن يحصروا عملهم بهذا الشكل الحسابي. فإن كثيرين منهم يتعدّون هذا الحد الأدنى من ساعات العمل فيخصصون له بضعة أيام في الإسبوع. وهناك كثيرون مَنْ يعطون كل أيام الإسبوع. أما العمل فيجب أن يكون واجب محدد ونشيط تسنده له الفرقة، لا عملاً يُترك تحديده وإختياره لميل العضو وهواه الشخصي. أما الصلاة أو أية ممارسات روحية مهما كانت قَيّمة، لا تُعوّض عن أداء هذا الواجب، ولا تحل محل العمل الفعّال ولا حتى جزئياً
(ب) إن العمل ما هو إلا صلاة من نوع آخر، فيجب أن تطبق عليه قواعد الصلاة. فما من عمل يدوم طويلاً دون ذلك الإطار فائق الطبيعة. فإن كان العمل سهلاً سرعان ما يتحوّل إلى مملٍ؛ وإن كان العمل ممتعاً، يصير في أغلب الأحيان صعباً، ويتوقع له الصد والفشل الظاهري. وفي الحالتين، تدعو الإعتبارات البشرية إلى إهماله. ولكن عضو اﻠﻠﭽيو ماريا على عكس ذلك، يجب أن يكون مدرّباً على أن يرى من خلال ضباب العواطف البشرية، والتي تحجب كل عمل، خطوطه الحقيقية وحدوده فائقة الطبيعة. فكلما زاد العمل تشبهاً بالصليب، إزداد تقديره وإحترامه.
(ج) إن عضو اﻠﻠﭽيو ماريا، هو جندي، وواجبه تجاه المنظمة لا يقل رجولة عن واجب جندي فى القضايا الدنيوية. إن كل النبل وتضحية الذات، والشهامة والقوة في شخصية الجندي، يجب أن تتواجد وعلى أعلى المستويات في عضو اﻠﻠﭽيو ماريا، وبالطبع تنعكس في كل أعماله.
واجب الجندي قد يختلف حسب الأحوال، أحياناً هو الموت، أو الحراسة الرتيبة، أو حتى تنظيف أرضية الثكنة. وفي كل الحالات الواجب هو المهم، وليس ما قد يتطلبه هذا الواجب. وفي كل الأحوال يجب أن تكون أمانته واحدة، فالهزيمة أو الإنتصار لا تؤثران على عمل الواجب. هكذا يجب أن تكون نظرة عضو اﻠﻠﭽيو ماريا إلى الواجب؛ فيُطبّق كل ذلك على كل عمل يقوم به، سواء كان الأكثر سهولة أو حتى أصعب الأعمال الموكلة إليه.
(د.( يجب أن يتم عمل اﻠﻠﭽيو ماريا بإتحاد وثيق مع مريم. لكن بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون من أهدافها الأساسية أن تغرس في نفوس الذين تهتم بهم معرفة وحب حقيقى لمريم، فتدفعهم إلى القيام بأحد أشكال خدمتها. إن معرفة مريم وإكرامها ضرورة لصحة الروح وتقدمها. “لأن العذراء القديسة هي شريكة الأسرار الإلهية ويمكن وصفها حقيقةً بحارستها. عليها يرتكز إيمان جميع الأجيال كأشرف أساس بعد يسوع المسيح.” (يوبيل عقيدة الحبل بلا دنس، القديس البابا بيوس العاشر، ١٩٠٤ - ٣) واﻠﻠﭽيو ماريا مدعوّة إلى التأمل في كلمات البابا القديس بيوس العاشر التى تدعو إلى التفكير: “بمجرد أن تتغلغل جذور إكرام مريم صاحبة الجلالة حتى أعماق النفوس البشرية، عندها فقط يمكن لهذا الذى يعمل لأجل تلك النفوس أن يرى ثماراً للفضيلة وقداسة تنبع منهم، تتوافق مع ما بذله هذا الزارع من جهد لأجلهم
“لا تنسوا أنكم، تجاهدون جهاداً كُتِبَ له النصر، مثل ربنا يسوع على طريق الجلجثة. فلا تخافوا من الأسلحة التي شُحِذَت، ولا من أن تشاركوه الجراح التي أصابته. وماذا يهمكم أن يأتي النصر مدة حياتكم أو بعدها؟ فواصلوا العمل بصبر، ودعوا للرب مهمة الباقي، فإنه ليس لكم أن تعرفوا الأوقات والأزمنة التي حددها الآب بسلطانه الخاص. تشجعوا وإحملوا أعباءكم كفرسان بشجاعة لا تعرف التردد كالروح العالية للذين سبقوكم
(كافان دوفي Fr. Thomas Gavan Duffy: ثمن بزوغ يوم جديد) ٣. تقديم تقرير شفوي علني خلال الإجتماع عن العمل الذي حققه العضو
هذا الواجب هو على جانب عظيم من الأهمية، وهو من التمارين الرئيسية التي تساعد على تواصل إهتمام العضو بعمل المنظمة. فإنه لهذا السبب يتم تقديم التقرير، كما أنه بنفس القدر بغرض إطلاع الإجتماع على ما يجري. والجهد الذي يبذله عضو اﻠﻠﭽيو ماريا في ترتيب بياناته، وتقديمها بالطريقة الملائمة، يدلان دلالة واضحة على مقدرته على العمل. فكل تقرير هو حجر في بنيان إجتماع الفرقة، ونزاهة إجتماع الفرقة تعتمد على كمال تقاريرها. وكل إهمال أو تهاون في تلك التقارير هو طعنة للإجتماع الذي هو ينبوع حياة للفرقة
إن جزءاً هاماً من تدريب العضو على عمل الرسالة يقوم على تعلمه أساليب الأعضاء القدامى من خلال تقاريرهم، وسماعه التعليقات التي طلبها صاحب ذاك التقرير من أعضاء ذوي خبرة في اﻠﻠﭽيو ماريا. وإن كان التقرير يخلو من المعلومات المفيدة، فلا يمكنه أن يفيد لا صاحبه ولا حتى سامعيه
ومن أجل تفصيل أفضل حول التقرير وطريقة إعداده، يمكن مراجعة القسم ٩ من الفصل ١٨، ترتيب إجتماع الفرقة
“تذكروا بأي إلحاح يطلب القديس بولس من المؤمنين أن يساعدوا كل الناس، ويذكروهم ويصلوا لأجلهم، لأن الله يريد خلاص جميع الناس ... ولأن المسيح قد بذل ذاته لأجل الجميع (١طيم ٢: ٦). فالمبدأ القائل بشمول هذا الواجب وإمتداده إلى جميع الناس، له أثره أيضاً في الأقوال السامية للقديس يوحنا فم الذهب: ‘أيها المسيحيون، سوف تؤدون حساباً لا عن أنفسكم فقط بل عن العالم كله أيضاً’
(جراترى: المصادر) ٤. يجب حفظ السريّة التامة على أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا أن يكونوا شديدي التحفظ في كتمان كل ما يسمعونه في إجتماعاتهم أو أثناء عملهم. فهذه المعلومات تأتيهم لأنهم أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا، فإفشائها وإعلانها يكون خيانة ﻠﻠﭽيو ماريا لا تطاق أبداً. لا شك أن التقارير قد كُتِبَت خصيصاً من أجل إجتماع الفرقة، إلا أنها رغم ذلك يجب أن تبقى قيد التحفظ الشديد. هذه المسألة موضحة بالتفصيل في القسم ٢٠ من الفصل ١٩، الإجتماع والعضو
“ اِحفَظِ الوَديعَة.” (١طيم ٦: ٢٠) ٥. على كل عضو أن يكون له مفكرة خاصة على كل عضو أن يكون له مفكرة خاصة يسجل فيها بإختصار مذكرة عن الأعمال والتعليقات عليها. (أ) فمن المطلوب أن يتم التصدى للعمل المريمي بطريقة شبيهة بإدارة الأعمال، (ب) فلا يغيب عن نظره ما مضى من القضايا ولا ما لم يتم منها، (ج) وبدونها يصعب على العضو أن يُحَضِّر تقريره بطريقة لائقة واضحة، (د) وبها يتدرب على عادة الترتيب في أعماله، (ھ) وهذا التسجيل الملموس شاهد على العمل المنجز، فتصير للعضو دليلاً ثميناً لإستعادة الروح فى تلك الساعة الحتمية عندما يخيم إخفاق الحاضر بظله على أداء الماضي
يجب أن تظل هذه المعلومـــــات المسجلة في هذه المفكرة سرّيــة (وقد تُستَعمَل شفرة معينة لحفظها) بحيث تبقى المعلومات الحساسة مخفية عن أعين أي شخص آخر لا ينتمي إلى اﻠﻠﭽيو ماريا. وليحذر العضو من أن يسجل في مفكرته أي شيء كان أمام الأشخاص المعنيين
“ولْيَكُنْ كُلُّ شيَءٍ بِأَدَبٍ ونِظام.” (١قور١٤: ٤٠) ٦. على كل عضو أن يتلو يومياً صلاة “سلسلة” اﻠﻠﭽيو ماريا أهم ما في هذه الصلاة هو نشيد العذراء “تعظم نفسي الرب”، الصلاة التي فاهت بها العذراء نفسها، ونشيد الكنيسة المسائي، “إنه النشيد الأكثر تواضعاً، وإمتناناً، وسمواً وفخامة بين كل الأناشيد (القديس لويس ماري دي مونفور)
كما يُوحِى إسم هذه الصلاة، فهي الرابطة بين اﻠﻠﭽيو ماريا والحياة اليومية لكل أعضائها، العاملين والمساعدين، وهي الصلة التي تجمع الأعضاء بعضهم بعضاً، وبأمهم الطوباوية. إن إسم “السلسلة” يوحي أيضاً بواجب تلاوتها كل يـوم. فلتكن فكرة السلسلة المؤلَفة من حلقـات كل واحدة ضرورية للكمال - تذكيراً لكل عضو في اﻠﻠﭽيو ماريا حتى لا يكون هو نفسه الحلقة المكسورة في سلسلة الصلاة اليومية ف اﻠﻠﭽيو ماريا على الأعضاء الذين أجبرتهم ظروف صعبة على التخلى عن العضوية العاملة (أو حتى الأعضاء الذين لأسباب أقل أهمية تركوا صفوف اﻠﻠﭽيو ماريا)، أن يستمروا في تلك الممارسة الجميلة، ويحافظوا على الأقل على هذا الرابط مع المنظمة غير منكسرٍ مدى الحياة.
“عندما أناجي يسوع بألفة، سأفعل ذلك بإسم مريم وجزئياً في شخصها. فهي تريد من خلالي أن تحيا من جديد تلك الساعات من حياتها المملوءة بمودة عذبة وحنان لا يُوصَف، تلك التي قضتها في الناصرة مع إبنها الحبيب. وبمساعدتي فهي تناجيه من جديد مناجاة لذيذة عذبة. وبواسطتي أيضاً سوف تحضنه وتضمه إلى حضنها كما كانت تفعل في الناصرة.” (دى جيجر De Jaegher: فضيلة الثقة) ٧. علاقات الأعضاء بعضهم ببعض إن أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا مستعدون، بوجه عام، أن يقوموا كما ينبغي بواجب المحبة المتبادلة فيما بينهم، وقد ينسون أحياناً أن هذا الواجب يفرض عليهم تسامحاً بشأن نقائص زملائهم. فإن فشلوا في هذا المجال، فقدت إجتماعات الفرقة النعمة، وقد يكون له تأثير رهيب على الفرقة، فيسبب ترك بعض الأعضاء لعضويتها
ومن ناحية أخرى، يجب أن يكون الجميع ذا حساسية كافية، تجعلهم يُدركون أن عضويتهم مستقلة تمام الإستقلال عن حقيقة أن لديهم رئيس أو زَميل يرونه لطيفاً أو العكس، له زلات حقيقية أو متوهمة، أو هناك إفتقار إلى التقدير، أو إختلاف في الآراء، أو تأنيبات، أو غير ذلك من الأحداث العرضية إن نكران الذات يجب أن يكون أساس كل عمل مُشتَرك. بدونه حتى أفضل الأعضاء قد يهددون ثبات المنظمة. إن أفضل أعضاء المنظمة هم أولئك الذين يعرفون أن يعتدلوا في إظهار شخصيتهم، وأن يكيفوا هذه الشخصية بطريقة أكثر كمالاً وأكثر تناغماً مع أساليب المنظمة. أما من يقول أو يفعل شيئاً لا ينسجم مع الوادعة التي يجب أن تميز اﻠﻠﭽيو ماريا، فقد يجرح شرياناً مسبباً نتائج قاتلة. فليسهر الجميع إذاً لكي يفعلوا ما من شأنه أن يجمع لا أن يفرّق
عندما نتحدث عن علاقات اﻠﻠﭽيو ماريا بعضهم ببعض، من الضروري أن نشير إلى ما يطلق عليه بإستخفاف وإن كان خطأ “الحسد الصغير”. فإن الحسد نادراً ما يكون صغيراً. فهو حامض لاذع في قلوب البشر. يدخل في كل شيء وخصوصاً في العلاقات البشرية فيسممها. ففى قلب الحاقد، توجد شراسة وقوى جنونية قد تقترف أفظع الأمور. فتغوي متواضعي وأصفياء القلوب من خلال حبهم وطبيعتهم الحساسة. كم يصعب على الإنسان أن يرى غيره يحل محله، أو يفوقه في الفضيلة والنجاح! وكم يصعب عليه أن يرى ذاته مُنحّى ليخلي مركزه لمَنْ هو أحدث منه سناً! وما أمرّ على الإنسان أن يرى نجمه آخذ في الأفول. إن أجود النفوس قد شعرت بهذا العذاب الخفي، فتعلمت منه ضعفها المدهش. وإن في هذه المرارة حِقداً تحت الرماد قادراً على أن ينفجر لهيباً مدمّراً وقد يسعى عضو اﻠﻠﭽيو ماريا إلى الراحة، بمحاولة النسيان. ولكن عليه أن يتطلع إلى ما هو أسمى من مجرد شعور بالسلام. وأن لا يطمع في أقل من الظفر التام والنصر الجزيل الثواب على طبيعة قوية مصطفة فى المعركة، وأن يرغب في تبديل شبه الكراهية الموجودة فى الحسد تبديلاً كاملاً إلى محبة مسيحية. ولكن كيف يمكنه البلوغ إلى مثل هذه المعجزة؟ يكون ذلك بأن يضع في كل قواه، كمال واجب اﻠﻠﭽيو ماريا نحو زملائه في الفرقة، ونحو كل الذين يحيطون به، فقد تعلم أن يرى ويوقّر في كل واحد منهم الرب يسوع. وأمام كل لسعة غيرة عليه أن يقول في نفسه: إن هذا الشخص الذي تسببت ترقيته فى آلامى ما هو إلا الرب نفسه. فعواطفي تجاهه يجب أن تكون كعواطف القديس يوحنا المعمدان. إكتمل فرحي عندما رُفِعَ يسوع على حسابي: له أن ينمو ولي أن أنقص
إن هذا الموقف هو بطولة مقدسة. وهو المادة الخام التي عليها يُبنى المستقبل. فتكون النفس البشرية هدفاً مجيداً لمريم، لتحررها من كل بقعة غرور فيشعّ نورها على الآخرين (يو۱: ٧)، وتجعل منها مُرسَل متجرد جديد يمهد الطريق أمام الرب مر۱: ٢
على البشير أن يرغب دائماً في الإختفاء أمام الذي يُبشّر بقدومه. كذلك الرسول يكون دوماً سعيداً برؤية نمو الذين يحيطون به، ولا يخطر بباله أبداً أن يقيس ترقيهم بوضعه الشخصى. ولا يستحق لقب رسول ذلك الذي يتمنى الإرتفاع للجميع ما لم يلقى هذا الإرتفاع ظلاً على إرتفاعه هو! إن مثل هذا الفكر الحسود لدليل على أن صاحبه يضع ذاته فوق كل شيء، في حين أنه على الرسول أن يضع نفسه في المقام الأخير. كلا، بل أكثر من ذلك، فروح الحسد والغيرة لا تستطيع أن تتعايش مع الروح الرسولية الحقة
“إن مريم لم تكد تلفظ كلماتها الأولى من الإحترام وتحية المحبة، حتى بعثت أول شعاع مقدس يطهّر تلك النفس، فجددت يوحنا المعمدان، وفي آن واحد شرّفت أليصابات
فإذا كانت كلماتها الأولى قد أحدثت مثل هذه الأعمال العظيمة، فما عسى أن تكون نتائج الأيام والأسابيع والشهور التالية؟ فمريم تعطي دائماً... وأليصابات تنال - ولماذا لا نقولها بجرأة - تنال من غير غيرة أو حسد. أليصابات، التي هي الأخرى منحها الله أمومة عجائبية، تنحني أمام نسيبتها الصغيرة من غير أن تأخذها مرارة خفيفة لكونها لم تكن هي مختارة الرب. أجل، إن أليصابات لم تغار من مريم، ومريم لم تغار، فيما بعد، من حب إبنها الكبير لرسله. ولا يوحنا المعمدان أحس بالغيرة من يسوع، عندما تركه تلاميذه من أجل يسوع. بل نظر إليهم يبتعدون عنه، وكل ما قاله بدون أية مرارة: “لا بُدَّ له مِن أَن يَكبُر. ولا بُدَّ لي مِن أن أَصغُر. إِنَّ الَّذي يأتي مِنَ عَلُ هو فَوقَ كُلِّ شَيء. يو٣: ٣٠، ٣١ (بروي Perroy: العذراء مريم المتواضعةَ)
٨. العلاقات بين مرافقي الزيارات
على أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا أن يقوموا بواجب خاص نحو مرافقيهم في مختلف الزيارات. فها هو الرقم الروحي “الرقم إثنان”، رمز المحبة التي تعتمد عليها كل الثمار الروحية: فالرب “أَرسَلَهمُ إثنَينِ إثنَينِ يتَقَدَّمونَه.” (لو١٠: ١) ولكن “إثنين” لا تعني حصرياً شخصين يعملان أحدهما مع الآخر، بل إتحاداً شبيهاً بإتحاد داود ويوناثان، كانت نفساهما محاكتين واحدة مع الأخرى. كلٌ كان يحب الآخر حبه لنفسه. (۱ صم ١٨: ١
“يَعودُ فيَأتي مُهَلِّلاً وهو يَحمِلُ حُزَمَه.” مز١٢٦: ٦
إن إتحاد الفردين المترافقين في الزيارات سوف يظهر وينمو في التفاصيل الصغيرة. فالإخلال بالوعود، ونسيان المواعيد، وعدم المواظبة، وزلات المحبة بالفكر أو بالقول، وتجاوزات آداب اللياقة، وتصرفات التكبر والتعالى هى أسباب تقيم حاجزاً بين الإثنين. فى هذه الحالة يصبح الإتحاد مستحيلاً.
“إن أثمن ضمان للبركات الإلهية والخصب في أسرة روحية هي - بعد النظام الرهباني - المحبة الأخوية فى إتحاد متناغم. يجب علينا أن نحب جميع أخوتنا بلا إستثناء، كأبناء مميزين ومختارين لمريم. فما نفعله لكل واحد منهم تعدّه مريم وكأننا فعلناه لها، بل لإبنها يسوع - فأعضاءنا جميعاً مطالبين بحكم دعوتهم لأن يصيروا مع يسوع وفي يسوع أبناء حقيقيين لمريم
(مقتطفات صغيرة من اللاهوت المريمي -Petit Traité de Marialogie Marianiste) ٩. تعيين أعضاء جدد إن جزءاً من واجبات عضو اﻠﻠﭽيو ماريا هو الفوز بأعضاء جدد للمنظمة. لقد أمرنا الرب بأن نحب قريبنا حبنا لنفسنا؛ بما أن اﻠﻠﭽيو ماريا هي بركة كبيرة للمنتمين إليها، ألا يجدر بأعضائها أن يبذلوا الجهد لينال غيرهم هذه النعمة؟ وإن رأى العضو بأن عملها يرفع النفوس، أفلا يجب عليه السعي ليوسّع نطاق عملها؟
وأخيراً، هل يستطيع العضو أن لا يبذل كل جهده في جمع أعضاء جدد، إذا ما تأمل هو نفسه في التقدم الذي تحرزه المنظمة لهم في حب مريم وخدمتها؟ فهي - بعد يسوع المسيح نفسه - أعظم نعمة ينالونها في حياتهم. لأن الله قد جعل مريم العذراء - المتعلقة بيسوع وغير المنفصلة عنه - جذور الحياة الفائقة الطبيعة ونموها وإزدهارها
إن نفوساً لا تُحصى، إن لم نقترب منها ونحثها، لن تفكر أبداً في سلوك الطريق الصحيح، التي تتوق إليه داخلياً ولا تعرف أين تجده، ذلك الطريق الذي يوصلها إلى أشياء رائعة لها، ولآخرين من خلالها
“أمام كل إنسان ينفتح سبيل، وسبل، وسبيل
والنفس السامية تسلك الطريق السامى
والنفس الضعيفة تلتمس طريقها إلى الحضيض
وبين الإثنين، في السهول التي يكسوها الضباب
ينجرف الآخرون ذهاباً وإياباً
وأمام كل إنسان ينفتح طريق
طريق سامٍ، وآخر دنيء
وكل إنسان يختار الطريق الذي ستسلكه نفسه (جون أوكسنهام John Oxenham)
١٠. دراسة الدليل المريمي من الضروري لكل عضو أن يدرس الدليل دراسة عميقة. إنه الشرح الرسمي ﻠﻠﭽيو ماريا. يحتوي هذا الكتاب على خلاصة الأمور المهمة التي يجب على كل عضو في اﻠﻠﭽيو ماريا مُعَد بشكل جيد أن يعـرفها، مبادىء المنظمة، وقوانينها، ووسائلها، وروحها. أما الأعضاء - وخصوصاً الضباط - الذين لا يعرفون الدليل يكونوا عاجزين عن تشغيل النظام المريمي كما ينبغي؛ بينما من الناحية الأخرى، فإن زيادة المعرفة بالدليل تزيد من الفعالية والكفاءة. فالأمر الغير معتاد يتم تناوله بإهتمام يتزايد مع الوقت، وبالكيف مع الكَمّ.
كثيراً ما يشكو بعضهم أن الدليل “طويل جداً!” والغريب أن هذه الشكوى تصدر أحياناً من أشخاص يخصصون وقتاً كل يوم لقراءة الجرائد يكفي لقراءة الجزء الأكبر من الدليل
“طويل جداً! وتفاصيل كثيرة!” فهل من يدرس بطريقة جِدّية، قوانين بلاده، أو الطب، أو العلوم العسكرية، يتفوه بمثل هذه الأقوال، في كلامه عن مرجع له فقط نفس الحجم يلخص كل المعارف الضرورية المتوقع منه معرفتها لدراسته؟ لا، بل إنه بدلاً من أن يفكّر أو يتكلم على هذا النحو، وفي ظرف إسبوع أو إسبوعين يحفظ في ذاكرته كل الأفكار لا بل كل الكلمات التي يحتويها ذلك البحث. حقاً “أَنَّ أَبناءَ هذهِ الدُّنيا أَكثرُ فِطنَةً مع أَشباهِهِم مِن أَبْناءِ النُّور.”(لو١٦: ٨).
وهناك إعتراض يقول “إن الكتاب مليء بالأفكار الصعبة والمواضيع العويصة، بحيث إن الأعضاء الصغار، والأعضاء الأكثر بساطة لا يكادون يفهمونه. فلماذا لا يكون هناك كتاب أبسط لمثل هؤلاء؟” إنه ليس من الضروري التنويه عن أن هذا الإقتراح مخالف للقوانين الأولى للتعليم التي تقضي بأن يُقاد التلميذ تدريجياً إلى منطقة يجهلها. فإذا كان المتلقى يعرف مسبقاً موضوع الدرس، فليس هناك من تعليم أو تدريس بتاتاً وعندما يتوقف عرض أفكار جديدة على الذهن، تتوقف عندها عملية التعليم. فلماذا يتوقع عضو اﻠﻠﭽيو ماريا أن يفهم الدليل مباشرة، في حين أن التلميذ العادي لا يتوقع أن يفهم حالاً أول كتاب له؟ إن وظيفة المدرسة، والفكرة الكلية للتعليم، هي توضيح ما لم يكن واضحاً قبلاً، وإدخاله في حيز المعرفة
“حتى الكلمات صعبة!” ولكن هل من الصعب تعلمها؟ إن المفردات التي يستعملها الدليل ليست صعبة جداً؛ ويمكن إكتسابها بتوجيه بعض الأسئلة أو بالبحث عنها في المعجم. في الحقيقة إن الدليل يستعمل ذات المصطلحات والمفردات التي تستعملها الصحف اليومية والتي يقرأها الجميع. هل سمعنا قط إقتراحاً يطلب تبسيط لغة الصحف؟ أليس هو واجب كل عضو تجاه نفسه وتجاه كاثوليكيته، بأن يتعلم هذه المصطلحات، التي كان إستعمالها ضرورياً لشرح وافٍ لروحانية ومبادىء اﻠﻠﭽيو ماريا الأخرى؟
إن ما قيل عن المفردات يجب تكراره حول الأفكار التي يتضمنها كتاب الدليل. إنها ليست أفكاراً مبهمة. “لا يمكن أن يكون في تعاليم الكنيسة جزء مُتَضَمن فى عقيدة لا يدركه إلا قسم صغير من أبنائها.” (رئيس الأساقفة المطران جون تشارلز ماك كويد John Charles McQuaid). والدليل على صحة ذلك هو أن أعداداً لا تُحصى من الأعضاء العاديين وحتى البسطاء منهم، قد فهموا جيداً تلك الأفكار، وجعلوها غذاء وكساء لحياتهم. فلا يوجد فى هذه الأفكار شىء غير ضرورى. بل فى الحقيقة، يجب أن تُفهم جيداً إذا شاء الأعضاء القيام بواجبهم الرسولي على أكمل وجه، حيث أنها فقط المبادئ العامة، والتي يمكن القول إنها جوهر حياة الرسالة. بدون فهم جيد لهذه المبادئ تفقد الرسالة معناها الحقيقي، وجذورها الروحية، فلا يصير لها الحق بأن تُدعى رسالة مسيحية على الإطلاق. فالفرق بين الرسالة المسيحية، والحملات المبهمة لعمل الخير” بعيد جداً كبعد السماء عن الأرض
لذلك يجب إستيعاب الأفكار الرسولية في كتاب دليل اﻠﻠﭽيو ماريا، وعلى الفرقة أن تلعب دور المعلم. تلك العملية تتم من خلال القراءات الروحية، ومن خلال كلمة الإرشاد (Allocutio)، ومن خلال تحفيز الأعضاء على قراءة ودراسة منتظمة لكتاب الدليل. لا يجب أن تبقى المعرفة نظرية فقط. لذلك يجب ربط كل بند من العمل الرسولي بالعقيدة المناسبة له، وبالتالى تعطيه معناه الروحي
عندما سُئل يوماً القديس توما الإكويني ما العمل ليصير الإنسان عالماً، أجاب: “إقرأ كتاباً واحداً. فمهما تقرأ أو تسمع حاول أن تفهمه جيداً. وإسع إلى اليقين المطلق في كل ما ترتاب فيه.” إن هذا المعلم الكبير لم يكن يشير في أقواله إلى كتاب عظيم بذاته، بل كان يقصد أى كتاب قيّم يهدف إلى منح المعرفة. لذلك يستطيع الأعضاء أن يجدوا في كلماته وإرشاداته دافعاً على دراسة مستفيضة لدليل اﻠﻠﭽيو ماريا.
إضافة إلى ذلك، للدليل المريمي قيمة في التعليم المسيحي. فهو يقدم عرضاً شمولياً بسيطاً عن الإيمان الكاثوليكي، مطابقاً لتشريعات المجمع الفاتيكاني الثاني.
“كان القديس بونافنتورا يقول إن العلم هو نتيجة نور داخلي في النفس، لكنه مع ذلك لم يكن يجهل المتاعب التي يجرها الدرس. لذلك نسمعه يروي أقوال القديس غريغوريوس ويقدم معجزة عرس قانا الجليل كمثل على الدرس. فإن يسوع لم يخلق الخمر من لا شيء، بل أمر الخدم أن يملأوا القدور بالماء. كذلك الروح القدس لا يمنح البصيرة الروحية والفهم لرجل لم يملأ جرّته – أي عقله – بالماء، أي بمعلومات إكتسبها بواسطة الدرس. فليس هناك إنارة من غير جهد. فإن فهم الحقائق الأبدية هو مكافأة لجهد الدرس الذي لا يُعفى منه أحد
(جيملي Gemelli: رسالة الفرنسيسكان إلى العالم)
١١. أن يكونوا على إستعداد دائم للواجب
يجب أن يكون هدف كل عضو، على قدر ما تسمح به الفطنة، نشر إشعاع روح اﻠﻠﭽيو ماريا على جميع شؤون الحياة اليومية، ويجب أن يكون متيقظاً على الدوام للفرص المناسبة لتحقيق الغاية الكبرى للمنظمة، وهي هدم مملكة الخطيئة ودك أساساتها، ورفع لواء المسيح الملك على أنقاضها
“سيقابلك في الطريق رجلاً يطلب منك عود ثقاب، فتكلم معه، وفى خلال عشر دقائق سيسألك عن الله.” (دوهامل Duhamel) فلماذا لا نؤكد إتمام هذا اللقاء مانح الحياة بأن نطلب نحن أولاً عود الثقاب؟
إن الحياة المسيحية التى يتم فهمها وممارستها بطريقة جزئية قد صارت شائعة لدرجة أنها تميل للتحجر فى إطار العادة الجارية، بل أنها صارت ديانة فردية، موجهة حصرياً للإستفادة الشخصية لنفس الإنسان، وليست مهتمة بنفس القريب على الإطلاق. إنها “المسيحية النصف الدائرية” تلك التى إستنكرها بشدة البابا بيوس الحادي عشر. من المؤكد أن الوصية التي تُلزمنا بأن نحب الله بكل قلبنا وكل نفسنا وكل ذهننا، وقريبنا كنفسنا (متى٢٢: ٣٧-٣٩)، قد وقعت على مسامع كثيرة إختارت أن تكون صمّاء.
إن من يحسب أن معايير اﻠﻠﭽيو ماريا هي نوع من القداسة، مخصصة لفئة مختارة من النفوس، فإن وجهة نظره هذه تجافى الحقيقة بشكل مريع. والدليل على ذلك أن هذه المعايير هي معايير أولية للحياة المسيحية. إذ لا يعقل أن ينحدر المسيحي إلى ما هو أدنى منها، ويظل، مع ذلك زاعماً أنه يمارس نحو القريب المحبة العاملة التي تفرضها الوصية العظمى، والتي هي جزء من المحبة الواجبة لله؛ لدرجة أنها إذا حُذِفَت، تشوهت الفكرة المسيحية. أجل “يجب أن نخلص معاً. يجب أن نذهب إلى الله معاً. فما عساه أن يقول لنا إذا بلغ إليه بعضنا دون الآخرين؟
(باجي Péguy)
علينا أن نجود بهذا الحب على رفاقنا من غير تمييز، أفراداً وجماعات، لا كمجرد عاطفة، بل كواجب وخدمة وتضحية بالذات. وعلى عضو اﻠﻠﭽيو ماريا أن يكون صورة حيّة جذّابة لهذه المسيحية الحقة. فهناك خطر قائم إذا لم يضيء النور الحقيقي أمام الناس بأشعة ساطعة لا حد لها، أي بأمثلة عملية من الحياة المسيحية الحقة، ولكنه ليس الخطر الوحيد، بل إنه لن ينعكس في المستويات الروحية العادية للشعب الكاثوليكى بكل تأكيد. هذه الأمثلة يمكن أن تتهاوى إلى الحد الأدنى الكافِ لتجنب هلاك جهنم. وذلك يعني أن الدين قد جُرّدَ من سمته النبيلة والكريمة، وبعبارة أخرى، يصبح الدين نقيضاً سخيفاً لما يجب أن يكونه، وبالتالى يعجز عن جذب أى إنسان أو الإحتفاظ بأى إنسان.
إن الواجب يعني الإنضباط. أن تكون دائماً في الخدمة يعني إنضباط لا يعرف التراخى. لذلك فحديث الفرد وملابسه، وأخلاقه وسلوكه العام، مهما كانوا من البساطة، يجب أن لا تكون سبب هدم للمنظمة. فالناس ينتظرون خطأً واحداً فقط من أولئك الذين يلحظون أنهم ناشطين في سبيل الدين. وهكذا فإن النقائص التي لا تكاد تكون ملحوظة عند الآخرين، ستُعتَبَر مشينة لعضو اﻠﻠﭽيو ماريا فتفسد جهوده في خدمة الآخرين بشكل كبير. وفي الواقع، في ذلك كل المنطق. أليس من العدل إذاً أن تطلب مستوى جيد من الصلاح من أولئك الذين يحثون الآخرين على السعي نحو أمور أرقى؟
تابع قراءة الفصل تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح