وهنا، كما في أي عمل آخر، يجب أن يتوافر المنطق السليم. فإذا توافرت لدى بعضهم النيات الصافية والسليمة، فلا يجب أن يتم منعهم من المجهود الرسولى بسبب ضعفاتهم الشخصية. لأن ذلك سيعنى النهاية لكل الأعمال الرسولية. كما لا يحسبون أنهم قد يكونوا منافقين إذا ما نصحوا غيرهم بكمال لا يمتلكونه. قال القديس فرنسيس السالسي: “لا، لا يُعدّ المرء منافقاً إذا كان كلامه أفضل من سلوكه. فلو كان الأمر كذلك، فإلى أين كنا سنصير؟ كان علينا أن نلتزم الصمت.” “إن اﻠﻠﭽيو ماريا تهدف ببساطة إلى أن يحيا أعضاؤها الحياة الكاثوليكية الطبيعية. نقول “الطبيعية”؛ ولا نقول “المتوسطة”. فالأفكار العصرية تميل إلى الإعتقاد أن الكاثوليكى “العادي” هو من يمارس دينه بالإجمال لأجل نفسه، دون أن يكترث أو يهتم إهتماماً عملياً بخلاص إخوته. فالحكم بهذا ما هو سوى صورة هزلية للكاثوليكى الحقيقي والكاثوليكية الحقة. إن الكاثوليكية المتوسطة تختلف عن الكاثوليكية الطبيعية. فمن الضروري التدقيق الجيد في عملية مراجعة لنظرية “الكاثوليكي الصالح” أو “الكاثوليكي المُمارِس”. فلا يكون الإنسان كاثوليكي إن لم يقم بشيء قليل من الرسالة، وهذا القليل الذي لا بد منه سيؤدي عنه الحساب في الدينونة الأخيرة، ولا تبلغه الحشود الكبيرة من الكاثوليك الذين يقال عنهم المُمارِسين. إن هذه لقضية خطيرة، ويدور حولها سوء تفاهم أساسي.”
(الكاردينال سواننس Suenens: لاهوت الرسالة) ١٢. على عضو اﻠﻠﭽيو ماريا أن يصلي كما عليه أن يعمل مع أن صلاة “السلسلة” هي الصلاة الوحيدة التي تفرضها المنظمة يومياً على الأعضاء العاملين، إلا أنها تحثهم بجدية على إضافة سائر الصلوات الواردة في الوثيقة Tessera إلى برامجهم اليومية. وبما أن الأعضاء المساعدين، ملتزمون بتلاوة هذه الصلوات، فسيكون هناك عتاباً على الوحدات العاملة إذا قصروا فيما يشارك فيه المساعدون بأعداد لا تحصى. ورغم أن الأعضاء المساعدين لا يقومون بالعمل الفعّال، إلا أنهم بكل تأكيد يخدمون سلطانة اﻠﻠﭽيو ماريا خدمة فعّالة تفوق خدمة الأعضاء العاملين الذين يعملون ولا يُصَلّون. وهذا يخالف نيّات المنظمة التي تعتبر العضوية العاملة كرأس الحربة في هجومها، والعضوية المساعدة هي فقط كعصاها. ثم إن حماسة المساعدين ومثابرتهم يتوقفان في جزء كبير منهما على يقينهم أنهم يدعمون خدمة متفانية، وفى الحقيقة بطولية تتجاوز كثيراً تضحياتهم البسيطة. من أجل ذلك السبب الإضافى، يجب على العضو العامل أن يكون قدوة وإلهاماً للعضو المساعد. ولكن، كيف يمكن لهذا الإلهام أن يكون أصيلاً إذا كانت الخدمة التي يؤديها بالصلاة، أدنى من تلك التي يؤديها العضو المساعد، فيبقى الشك: مَنْ الذى يخدم اﻠﻠﭽيو ماريا بشكل أفضل؟ على كل عضو، سواء كان عاملاً أم مساعداً، أن يشترك في أخوية الوردية الجزيلة القداسة. فإن الفوائد الناتجة عن تلك العضوية هائلة ولا حد لها. (راجع الملحق ٧). “في كل طلبة أو صلاة، نتضرع ضمناً لإسم يسوع المسيح الفائق القداسة، حتى وإن لم يذكر صراحة الكلمات “بالمسيح يسوع ربنا”: لأنه هو الوسيط الضروري الذي يجب أن تُرفع إليه كل طلبة. ويجب أن يُقال عن مريم ما قيل عن إبنها الإلهي، عندما يتوجه المتوسل مباشرة إلى الله الآب، أو يقدم طلبته لملاك أو قديس، من غير أن يُذكر إسم مريم الجزيل القداسة. فكما أن إسم يسوع مدعو دائماً بطريقة ضمنية لأنه الوسيط الوحيد والضروري، كذلك إسم والدته الطوباوية، شريكته في الوساطة، يُدعى دائماً في جميع الطلبات ضمناً مع إسمه القدوس. فكلما دعونا الله دعونا مريم أيضاً. وعندما نصلي إلى المسيح الإنسان تتجه صلواتنا بالفعل إليها هي أيضاً. وعندما نبتهل إلى قديس نبتهل إلى مريم أيضاً. (كانيس بورك راهب كبوشي Canice Bourke: مريم)
١٣. حياة اﻠﻠﭽيو ماريا الداخلية “فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك” يقول الرسول بولس “بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ.” (غل٢ :٢٠) حياة الإنسان الداخلية تعني، أفكاره، أشواقه، أحساسيه ومشاعره تجاه الله. والسيدة العذراء هي النموذج الأمثل لذلك. لقد تقدمت بإستمرار في القداسة، وهذا التقدم الروحي ما هو إلا تقدمها في المحبة، والمحبة تنامت فى مريم طوال حياتها.
“إذاً فواضح للجميع أن الدعوة إلى ملء الحياة المسيحية وكمال المحبة، موجّهة إلى جميع المؤمنين بالمسيح أيّاً كان حالهم أو نهج حياتهم... فجميع المؤمنين بالمسيح إذاً مدعوّون، بل ملتزمون أن يسعوا وراء القداسة والكمال على حسب حالتهم الحياتية.” (دستور عقائدي حول الكنيسة -٤٠، ٤٢) إن القداسة هي ربح حقيقي. “كل القداسة تختص بمحبة الله، وكل ما لمحبة الله يختص بعمل مشيئته.”
(القديس ألفونس ليجوري) “لكي نصبح قادرين على إكتشاف حقيقة ما يريده الرب منّا في واقع حياتنا: علينا الإصغاء المستمر إلى كلمة الله والكنيسة، والصلاة الصادقة والمستمرّة، والتوجّه إلى مرشد روحي حكيم ومحب، والتبصّر في المواهب والوزنات التي إئتمننا الله عليها، في مختلف الأوضاع الإجتماعية والتاريخية المحيطة بنا.” (دعوة ورسالة العلمانيين في الكنيسة والعالم، البابا الطوباوى يوحنا بولس الثاني، ١٩٨٨ - ٥٨) إن التنشئة الروحية لأعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا في مرحلة الفرقة، تساعد كثيراً في نموّهم نحو القداسة. وهنا يجب الملاحظة أن الإرشاد الروحي الذي يُعطَى لهم في تلك المرحلة هو جماعي. ولكن بما أن كل عضو هو فرد وحيد في ميزاته وإحتياجاته، فمن المُفَضّل أن الإرشاد الروحي الجماعي يكمله الإرشاد الفردي وبالتالى يستفيد العضو من “مرشد روحي حكيم ومحب.” (المرجع الأخير) هناك ثلاثة أمور مهمة مطلوبة في الحياة المسيحية: الصلاة، والإماتة والأسرار، وكلّ منهم تكمّل الأخرى: (أ) الصلاة يجب أن تكون فردية وأيضاً جماعية، لأن هناك جانبان لطبيعتنا البشرية، إنفرادية وإجتماعية. إن علينا واجب الصلاة أولاً كأفراد، ومن ثم كجماعة متصلة ومرتبطة بروابط إجتماعية. الليتورجيا، كالقداس وصلاة الساعات، هما صلوات وعبادات عامة في الكنيسة. ويعلق المجمع الفاتيكاني الثاني بقوله: “فالمسيحي مدعوّ بالحقيقة إلى الصلاة المشتركة، لكن يجب عليه أيضاً الدخول إلى مخدعه ليصلي إلى الآب في الخفية، بل عليه - على حد تعليم الرسل - الصلاة بلا توقف.” (دستور عقائدي حول الليتورجيا المقدسة -١٢) أما الصلوات الفردية فهي: “التأمل (أو الصلاة العقلية)، فحص الضمير، الرياضات الروحية، زيارة القربان الأقدس، وعبادات خاصة للقديسة مريم العذراء، أهمها المسبحة الوردية.” (الليتورجيا المقدسة، البابا بيوس الثاني عشر، ١٩٤٧ - ١٨٦) “إن كل ذلك يُغذّي الحياة الروحية للمسيحيين، فيشاركون في كل الإحتفالات الكنسية بمنفعة كبيرة، ويجنّبهم أن تتدهور هذه الصلوات الليتورجية إلى إحتفالات فارغة.” (المرجع الأخير. ١٨٧) إن القراءات الروحية الشخصية، وتنمية المعتقدات المسيحية، تساعد حقاً فى حياة الصلاة. فالأولوية في القراءات تُعطَى للعهد الجديد لربما مع شروحـــات كاثوليكيــــة ملائمة (راجع دستور عقائدي حول الوحي الإلهي - ١٢)، والمؤلفات الروحية الأصيلة، كلٌ بحسب حاجته وقدراته. وهنا تأتي أهمية “حكمة” المرشد الروحي. إن قراءة حياة القديسين المكتوبة بشكل جيد، تشكل بداية حسنة للحياة الروحية. فهي تجذبنا إلى حياة مليئة بالخير والبطولة. إن هؤلاء القديسين جعلوا من العقائد وممارسات القداسة شيئاً مرئياً وملموساً. وإذا إلتحقنا بصحبتهم، فإننا عاجلاً نتشبّه بخصالهم.
على كل عضو في اﻠﻠﭽيو ماريا أن يقوم برياضة روحية فردية مرة في السنة على الأقل. لأن ثمار هذه الرياضات الروحية والتجمعات تعطينا رؤية أوضح عن دعوتنا وعن حياتنا، وإرادة ثابتة على المضيّ فيها بإخلاص ووفاء. (ب) الإماتة أو نكران الذات وهذا يعني التخلي عن الذات، للسماح للمسيح أن يعيش حياته فينا، وأن نشارك هذه الحياة بصورة أكمل. إنها إنضباط ذاتي يهدف لمحبة الله ومحبة الآخرين حباً بالله. إن الحاجة إليها تزداد لأننا بالخطيئة الأصلية قد ساد عقولنا الظلامُ، وضعفت إرادتنا، ومالت بنا أهوائنا بسهولة نحو الخطيئة.
إن الإحتياج الأول هو إرادة تتميم كل ما تطلبه الكنيسة فيما يتعلق بأيام وأزمنة التوبة، وكيفية المحافظة عليها. إن نظام اﻠﻠﭽيو ماريا، إذا ما أُتّبع كما يجب، يضمن تدريباً ثميناً على الإماتة في حياة الفرد. وبعد ذلك يأتي القبول من يد الله بكل طواعية ومحبة “الصلبان، والمشقات وخيبات الأمل فى الحياة.” وهنا تُطرح بإيجابية مسألة السيطرة على حواسنا، خصوصاً فيما يتعلق بما نسمح لأنفسنا بأن نرى، أو نسمع أو نقول. وكل هذا يساعد على التحكم بحواسنا الداخلية من ذاكرة وخيال. إن الإماتة تعني أيضاً تجاوز الكسل، والمزاجية، والأنانية. إن الإنسان الذي يمارس الإماتة بإستمرار، هو شخص يجلب السعادة لكل من يعيش حوله في البيت أو العمل. إن العمل الرسولي الشخصي، والذي ينتهي نهاية طبيعية بالصداقة، يتطلب الإماتة، مما يعني أن يأخذ على عاتقه مشاكل الأصدقاء ويتعاطى معهم بكل لطف ورِقة، “صِرتُ لِلنَّاسِ كُلِّهِم كُلَّ شَيء”. يقول القديس بولس الرسول: “لأَُخَلِّصَ بَعضَهُم مَهْما يَكُنِ الأَمْر.” (١ قور٩: ٢٢) إن الجهود المطلوبة في إكتشاف الميول الخطيرة بداخلنا، وزرع العادات الحسنة في النفس، لهو مساعدة كبيرة للتعويض عن الخطايا الذاتية وخطايا آخرين في جسد المسيح السريّ. فإذا كان السيد المسيح وهو رأس هذه الجسد، قد تألم نيابة عنّا لأجل خطايانا، فمن واجبنا نحن أيضاً أن نشاركه هذا العناء؛ وإذا كان السيد المسيح وهو البريء قد بذل ذاته لأجلنا نحن الخطأة، فكم بالحري يجب علينا نحن الخطأة أن نفعل شيئاً بأنفسنا. فكل مظهر جديد للخطيئة، يدفع المسيحي الكريم لأن يقوم بعمل إيجابى تعويضاً عن هذا الشر. (ج) الأسرار إن الوحدة مع يسوع المسيح تبدأ بالمعمودية، وتتطوّر بالتثبيت وتتقوّى وتتغذى بقوة بالقربان الأقدس. لقد تكلمنا عن هذه الأسرار في فصول أخرى من هذا الدليل، ولكن نوّد أن نركز هنا، على الأسرار التي من خلالها يمارس السيد المسيح، وبشكل مستمر، غفرانه الرحيم لنا، من خلال الشخص الذي يعمل بإسمه، وهو الكاهن الكاثوليكى. وهو عادة ما يسمّى سر الإعتراف، أو سر التوبة، أو سر المصالحة. يُدعى سر الإعتراف، لأنه إعتراف صريح بالخطايا المرتكبة؛ يُدعى سر التوبة، لأنه يمنح التغيير؛ ويُدعى سر المصالحة، لأن من خلاله يتصالح التائب مع الله، مع الكنيسة ومع البشرية جمعاء. هذا السر على علاقة وطيدة مع القربان الأقدس، لأن غفران السيد المسيح وصل إلينا بإستحقاقات موته، موته الحقيقى الذي نحتفل به في ذبيحة القربان الأقدس.
إذاً، فليستفد كل عضو في اﻠﻠﭽيو ماريا من دعوة السيد المسيح إلى لقائه شخصياً في سر المصالحة، وليفعل ذلك بشكل مستمر ومنتظم، “لأننا بذلك ننمو في المعرفة الحقة لأنفسنا وفى التواضع المسيحي، فعادات سيئة يتم إقتلاعها، وإهمال وبرود روحي يتم تفاديه، فيتطهر الضمير وتتقوى العزيمة، ويتم الحصول من جديد على توجّه روحي صحي، فتكبر النعمة، وهذا كله بفضل فاعلية هذا السر.” (جسد المسيح السري، البابا بيوس الثاني عشر، ١٩٤٣ - ٨٨) وعندما يختبر أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا منافع وفوائد سر المصالحة، عليهم أن يتشّجعوا على مشاركتها مع الآخرين بدعوتهم إلى الإعتراف هم أيضاً. وتلخيصاً لما سبق، إن خلاص النفوس وقداستها وكذلك تحول العالم إلى الحياة المسيحية، ما هو إلا نتيجة طبيعية لحياة السيد المسيح في النفس البشرية. وفى الواقع إن هذا الأمر حقيقة هو أكثر الموضوعات حيوية. “فالروحانية المريمية، مثلها مثل التكريم الذي يعبّر عنها، يجدان في الخبرة التاريخية، خبرة الأشخاص ومختلف الجماعات المسيحية المُعاشة في وسط الشعوب والأمم على الأرض كلها، ينبوعاً غزيراً جداً. وأنه ليطيب لي أن أذكر، في هذا المجال، بين معلمي هذه الروحانية وشهودها، وهم كثُيرين، القديس لويس مارى جرينيون دي مونفور، الذي كان يقترح على المسيحيين أن يتكرّسوا للمسيح بين يدي مريم، ويرى في ذلك وسيلة فعّالة للعيش، في أمانة، وفقاً لوعود المعمودية.” (مريم، أم الفادي، البابا الطوباوى يوحنا بولس الثاني، ١٩٨٧ - ٤٨) “إن هناك صلة بين حياتنا الروحية وعقائدنا الإيمانية. العقائد هي نور مشعّ في طريق الإيمان؛ تنيره وتجعله آمناً. ومن جهة أخرى، إذا كانت حياتنا مستقيمة، فإن قلوبنا وعقولنا سوف تنفتح لتستقبل هذا النور القادم من عقائد الإيمان.”
(التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، ١٩٩٢ - ٨٩) ١٤. اﻠﻠﭽيو ماريا والدعوة المسيحية إن اﻠﻠﭽيو ماريا تقدم أسلوب حياة لا طريقة للعمل. فهى تعطى تدريباً يهدف إلى التأثير فى كل مناحى الحياة، بل ولكل ساعة من تلك الحياة. إن العضو الذي يُعنى فقط بمدة الإجتماع وبالعمل الذي سيُكلف به، لا يعيش روح اﻠﻠﭽيو ماريا على الإطلاق. إن هدف اﻠﻠﭽيو ماريا هو أن تساعد أعضائها وكل من هم على إتصال بهم، أن يعيشوا دعوتهم المسيحية على أكمل وجه. إن المعمودية هي نبع ومصدر هذه الدعوة. بالمعمودية يصبح الإنسان مسيحاً آخر. “إننا لا نصبح مسيحاً آخر، بل المسيح ذاته.”
(القديس أوغسطينوس) بإتحادنا بالمسيح في المعمودية، يشارك كل عضو في الكنيسة كهنوت السيد المسيح، ونبوءته وملوكيته. نشارك السيد المسيح في رسالته الكهنوتية بالعبادة والصلاة، فردياً وجماعياً، في السر وفي العلانية. وأعلى مراتب العبادة والصلاة هي التضحية. إننا بالتضحية الروحية نقدم ذواتنا وكل أعمالنا لله الآب. إن المجمع الفاتيكاني الثاني عندما يتحدث عن العلماني المؤمن يقول: “ذلك بأن جميع أنشطتهم وصلواتهم ومشاريعهم الرسولية وحياتهم الزوجية والعائلية، وأعمالهم اليومية، وتسلياتهم العقلية والجسدية إذا هم عاشوها بروح الله، بل حتى مِحن الحياة إذا تحمّلوها بطول أناة، كل هذا يتحول إلى “قرابين روحية مرضيّة لله بيسوع المسيح” (أنظر ١بط٢: ٥)؛ في إحتفال الإفخارستيا يصير من الأكثر ملائمة أن يتم تقدمة هذه القرابين إلى الآب إلى جوار قربان جسد الرب، وبالتالى تتم عبادتهم فى كل مكان من خلال أعمالهم المقدسة، فالعلمانيون يقدسون العالم نفسه لله.”
(دستور عقائدي حول الكنيسة - ٣٤) نحن نشارك السيد المسيح في رسالته النبوية (التعليم). “إنه يعلن ملكوت الآب بشهادة حياته وقوة كلمته.” (دستور عقائدي حول الكنيسة - ٣٤) لقد أُعطي كل علماني مؤمن القدرة والمسؤولية لأن يقبل البُشرى السارة بإيمان، ويُعلنها بالكلمة والفعل. فإن أعظم خدمة نستطيع أن نقدمها للناس هي أن نعلمهم حقائق الإيمان – أن نخبرهم مثلاً، من هو الله، وما هي النفس البشرية، ما هو هدف الحياة وماذا يلي الموت. وفوق ذلك كله، نخبرهم عن ربنا يسوع المسيح الذي تكمن فيه الحقيقة كلها. ليس من المهم أن نقدم الدلائل والبراهين عن ما نقول، ولكن أن نعي ونعيش كل ما نقول من هذه الحقائق، ونكون على دراية كاملة بالفارق الذى نصنعه، وأن نتحدث عنها بكل ذكاء وفطنة، وشرحها بطريقة جذابة يثير الفضول لدى المستمعين ويجعلهم يبغون البحث عن المزيد من المعرفة والمعلومات. إن عضوية اﻠﻠﭽيو ماريا تساعد العضو على التقدم في معرفة الإيمان وكيفية معايشته. كما وتساعده أيضاً من خلال الخبرة والدافع على التحدث عن الدين للغرباء. مع أن أكثر الناس إستحقاقاً لإهتمامنا ورعايتنا هم أولئك الأشخاص الذين نلتقى معهم مراراً في البيت، والمدرسة، والمعرض، والعمل، وحتى في أماكن الأنشطة الإجتماعية والترفيهية. هؤلاء عادة لا يشكلون جزءاً من عمل اﻠﻠﭽيو ماريا، ولكن لهم حق إهتمامنا على حد سواء. نحن نشارك السيد في رسالته الملوكية بأن نطرد من ذواتنا مملكة الخطيئة، وأن نُقْدم على خدمة رفاقنا، فلا سلطة دون خدمة. قال السيد المسيح نفسه إنه جاء ليَخْدم لا ليُخْدم (متى٢٠: ٢٨). وأن نشارك السيد المسيح في رسالته هذه يعني بالدرجة الأولى أن نقوم بعملنا، مهما كان نوعه، في البيت أو خارجه، إنطلاقاً من حب الله وخدمة القريب. فبإتمام أعمالنا بشكل جيد، نكمل عمل الخليقة، ونجعل من الأرض مكاناً أجمل وأحسن للعيش فيه. إنها المهمة التى يمتاز بها العلمانيون المسيحيون، وهي قدرتهم على إختراق وإتقان الأنظمة الدنيوية التى تخص كل الشئون الأرضية، بروح الإنجيل. إننا نصلى خلال وعد اﻠﻠﭽيو ماريا بأن نصبح أدوات الروح القدس لتحقيق كل غاياته السامية. لا شك أن دوافع أعمالنا يجب أن تكون دائماً فائقة الطبيعة، لكن يجب علينا أن نطوّع طبيعتنا لنكون في يد الروح القدس أفضل الأدوات على الإطلاق. السيد المسيح هو أقنوم إلهي، إلا أن طبيعته الإنسانية لعبت دوراً مهماً في أعماله، في ذكائه الإنساني، في صوته، في نظراته، وفي طريقة تصرفاته. لقد كان الناس، بما فيهم الأطفال والذين هم بطبيعتهم الأكثر إنتقاء، يحبون صحبته. لقد كان ضيفاً مُرحّبَاً به على موائد الجميع. لقد كان القديس فرنسيس السالسى رجلاً جذب بأخلاقه وتصرفاته نفوساً عديدة إلى الله وإن لم تكن أقل وسائله. لقد كان يوصي كل من يرغب فى ممارسة المحبة، أن يزرع ما كان يسمّيه “الفضائل الصغيرة” وهي: الصداقة، اللطف، الخلق الحسن، الإهتمام بالآخرين، الصبر والتفهّم وخصوصاً مع من يصعب التعامل معهم. “إن رابطة الدم التي تجمع يسوع المسيح بمريم العذراء، خلقت بينهما تشابهاً في التكوين، في الصفات، في الميول، في الذوق، وفي الفضائل؛ ليس لأن رابطة الدم فقط تخلق عادة تشابهاً في مثل هذه الصفات، ولكن في حالة مريم (لأن أمومتها كانت بأكملها حدثاً فائق الطبيعة - تأثير لنعمة فياضة). فإن النعمة قد إحتلت فيها مكان كل الأمور الطبيعية، لا بل طوّرتها في داخلها لتجعل من مريم صورة حيّة ونموذج لإبنها الإلهي بكل السبل. فمن ينظر إليها يستطيع أن يُعجب بتلك الصورة الرائعة للسيد المسيح. إن صلة الأمومة هذه، خلقت بين مريم ويسوع إبنها علاقة وثيقة، لا على نطاق الحياة اليومية فحسب، بل فيما يتعلق بتبادل القلوب والأسرار؛ فلقد كانت مرآة تعكس كل أفكار يسوع، وأحساسيه، وتطلعاته، وأشواقه، وأهدافه، وهو بدوره كان يعكس وبشكل بارز، كما فى مرآة صافية، معجزة الطهارة، والمحبة، والتعبد، والبر العظيم، أى كل الصفات التي كانت تتميّز بها نفس مريم. ولذلك فإن مريم تستطيع القول أكثر من رسول الأمم: لم أعد أحيا أنا، بل يسوع يحيا فيَّ.” (دي كونشيليو De Concilio: معرفة مريم)
تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح