الفصل العاشر
رسالة اللچيو ماريا ١. عظمتها للتعبير عن عظمة الرسالة التي تدعو اﻠﻠﭽيو ماريا أعضاءها إليها، وعن مدى أهميتها للكنيسة، ليس للمرء كلمات أقوى من تصريحات السلطة الكنسية التالية:
“إن حق العلمانيين وواجبهم في أن يكونوا رسلاً ينبع من حقيقة إتحادهم بالمسيح الرأس. بإنضمامهم إلى جسد المسيح السريّ في المعمودية، وتوطيدهم بقوة الروح القدس في سر التثبيت، فإن السيد المسيح ذاته قد أوكل إليهم هذه الرسالة. فقد إقتناهم ليكونوا جماعة كهنوتية وذرية مختارة (أنظر ١ بط٢: ٤-١٠) ليقدموا من خلال جميع أعمالهم ذبائح روحية وليكونوا شهوداً للمسيح في العالم أجمع. فالمحبة، كما كانت، روح الرسالة بأكملها، قد أُعطيت لهم ونمت فيهم من خلال الأسرار المقدسة وخاصة القربان المقدس.” (قرار حول رسالة العلمانيين - ٣) “أكد البابا بيوس الثاني عشر: ‘إن المؤمنين، ولا سيما العلمانيين منهم، يجدون أنفسهم، في الصفوف الأمامية من حياة الكنيسة؛ فالكنيسة بالنسبة لهم، هى النبع النابض بالحياة نحو المجتمع البشري. ولهذا، يجب عليهم بصفة خاصة، أن يدركوا بوضوح متزايد، أنهم لا ينتسبون فقط إلى الكنيسة، بل أنهم هم الكنيسة، بمعني جماعة المؤمنين على وجه الأرض، تحت قيادة بابا روما الذى يرأس الجميع وكذلك الأساقفة، الذين هم فى شراكة معه. هؤلاء هم الكنيسة ’.” (دعوة ورسالة العلمانيين في الكنيسة والعالم، البابا الطوباوى يوحنا بولس الثاني، ١٩٨٨ - ٩)
“إن لمريم في الجنس البشري نفوذاً وتأثيراً أدبياً لا نستطيع أن نحدّده كما ينبغي، إلا إذا شبهناه بقوى الجاذبية فى الطبيعة، التجاذب والتماسك التي تجمع بين الأجسام وتضم الأجزاء التى تتكون منها بحسب نظام الخليقة...وبذلك نحن نؤمن أننا قد أوضحنا أن مريم قد شاركت في جميع الحركات العظيمة التى تشكل حياة المجتمعات وصلب حضارتها.” (بتيتالو Petitalot) ٢. ضرورة رسالة العلمانيين لا نتردد بالقول أن صحة أي جماعة كاثوليكية تتحقق، بأن يكون في حضنها فئة رسولية عظيمة - تنتمى إلى العلمانيين، لكنهم يشاركون الكاهن رسالته، ويضمنون له نقاط تلاقى مع الشعب وإدارة قريبة منه. إن السلام يعتمد على ذلك الإتحاد الكامل بين الإكليروس والشعب. ولكن الفكرة الأساسية للعمل الرسولي تكمن في الإهتمام الكبير بخير الكنيسة وعملها، ولا يتوفر هذا الإهتمام بدون بعض الشعور بواجب المشاركة. لذلك، فالمنظمة الرسولية هي القالب الذي يُكَوّن الرسل. فإذا لم يتم زرع صفات العمل الرسولي بمثابرة، فمن المؤكد إن الجيل التالى لابد وأن يواجه مشكلة عويصة فى نقصان كل إهتمام حقيقى بالكنيسة، وكل شعور بالمسؤولية نحوها. وما الخير المنتظر من هذه الحياة الكاثوليكية غير الناضجة؟ وأى أمان يمكن أن توفره إلا في سكينة مطلقة؟ يعلمنا التاريخ أن أى قطيع ضعيف سرعان ما يستولي عليه الذعر حتى إنه يدوس رعاته أثناء هربه فيصبح فريسة لأول مجموعة من الذئاب المفترسة تظهر فى الأفق. يذكر الكاردينال الطوباوى نيومن مبدأ “إن العلمانيين كانوا في كل زمان مقياس الروح الكاثوليكية.” “إن المهمة الكبرى الملقاة على عاتق اﻠﻠﭽيو ماريا، هي تقوية الشعور بدعوة العلمانيين نحو الرسالة. ومما يخشى منه أن يحصر العلمانيون الكنيسة في الكهنة والرهبان دون سواهم، وهم الذين إختصهم الله دون غيرهم بما نسميه “الدعوة”. نحن مدفوعين بصورة غير واعية لكى نتصور بقيتنا كجماعة بلا هوية لديها فرصة لتنال الخلاص إذا أتمّمنا الحد الأدنى من الوصايا المفروضة، وينسون أن المسيح يدعو خرافـــــه الخاصـــة بأسمائها (يو١٠: ٣)؛ وننســـى أيضاً أن القديس بولس (غل٢: ٢٠) الذي لم يكن حاضراً جسدياً على الجلجثة، مثلنا، يردد “إبنِ اللهِ الَّذي أَحبَّني وجادَ بِنَفْسِه مِن أًجْلي”. لكل منا دعوة، سواء كان مجرد نجار قرية كما كان يسوع نفسه، أو إمرأة بسيطة في بيتها مثل أمه، هذه الدعوة موجهة من الله لكل واحد منا بشكل شخصى، لكى يقدّم لله حبّه وخدمته، بأداء عمل محدد، وإن كان هناك غيره من يستطيع أن يقدمه على وجه أحسن، إلا أنه لا يستطيع أن يقوم مقامه فيه. ما من أحد سواي يستطيع أن يقدّم لله قلبي أنا، أو أن يقوم بعملي أنا. إن هذا الوعي الديني الشخصي هو ما تريد اﻠﻠﭽيو ماريا أن تنميه. فالعضو لا يقبل أن يكون عاطلاً أو متهاوناً، بل إن عقيدته الصميمة هى أن يكون وأن يفعل شيئاً لأجل الله. فالدين، ليس عنصراً لا قيمة له في الحياة، بل هو الإلهام فى الحياة، أياً كانت تلك الحياة. وهذا الإيمان بالدعوة الشخصية يخلق حتماً الروح الرسولية، والرغبة في الإهتمام بعمل المسيح، بحيث يكون صاحب هذه العقيدة مسيحاً آخر، يخدم المسيح في أصغر إخوته. إن اﻠﻠﭽيو ماريا هي البديل العلماني للرهبانيات، وهي ترجمة لفكرة الكمال المسيحي في حياة الجماعات العلمانية، وكذلك إمتداد لملكوت المسيح في العالم الدنيوى اليوم.”
(المونسنيور ألفريد أورايلي Alfred O’Rahilly) ٣. اﻠﻠﭽيو ماريا ورسالة العلمانيين الرسالة في حد ذاتها، ككثير من المبادىء الكبرى، فكرة نظرية، يكتنفها شيء من التجريد والفتور. لذلك هناك خطر شديد حقيقى ألا تستطيع جذب النفوس، فيتحوّل عنها المؤمنون أو يحسبون أنفسهم غير قادرين على مزاولتها. وتكمن الكارثة الكبرى في التخلى عن بذل الجهد لجعل العلمانيين يقومون بدورهم الأساسي الذى لا يمكن الإستغناء عنه في الجهاد الذي تقوم به الكنيسة.
لكن، في كلمات مَن هو مُؤهَل للفصل في الأمر، الكاردينال ريبري، القاصد الرسولي لإرسالية أفريقيا سابقاً والسفير البابوي إلى الصين لاحقاً: “إن اﻠﻠﭽيو ماريا هي واجب رسولي مزيّن بشكل جذاب وفاتن، ينبض بالحياة ليجذب إليه الجميع؛ وهي، وفقاً للطريقة التي أرادها بها البابا بيوس الحادي عشر، تتكل على البتول والدة الإله؛ تصر على السمات السامية كأساس للعضوية، بل حتى كمفتاح لقوتها العدديّة؛ تحميها الصلوات الغزيرة وبذل الذات، والنظام الدقيق، والتعاون الكامل مع الكاهن. إن اﻠﻠﭽيو ماريا هي أعجوبة العصر الحديث.” تؤدي اﻠﻠﭽيو ماريا للكاهن الإحترام والطاعة الواجبين للرؤساء الشرعيين، بل أكثر من ذلك أيضاً. فإن رسالتها مرتكزة على أن قنوات النعمة الأساسية هي ذبيحة القداس، والأسرار والتي يعتبر الكاهن الخادم الرئيسي لها. وينبغي أن تكون جهود الرسالة مؤاتية وموجهة إلى تحقيق غاية عظمى: إيصال الغذاء الإلهي إلى الجموع المريضة والجائعة. هنا يبرز أحد أهم مبادىء العمل الجوهرية في اﻠﻠﭽيو ماريا: أي إيصال الكاهن إلى الشعب، وإن لم يكن شخصياً - حيث قد يتعذر ذلك في بعض الأحوال - فعلى الأقل عليه من خلال شرح مهمّة الكاهن ليفهمها الشعب، وتسهيل إمتداد تأثيره على النفوس. هذه هي الفكرة الجوهرية من رسالة اﻠﻠﭽيو ماريا. يكون غالبية أعضائها من العلمانيين، إلا أنها تعمل بإتحاد وثيق مع الكهنة، وتحت قيادتهم، وفى تطابق كامل للإهتمامات. تسعى بغيرة وحماسة أن تعضد الكهنة في عملهم، وتوسع مكانتهم وتأثيرهم في حياة الناس، فإذا ما قبلوهم قبلوا الذي أرسلهم.
“الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن قَبِلَ الَّذي أُرسِلُه قَبِلَني أَنا ومَن قَبِلَني قبِلَ الَّذي أَرسَلَني.” (يو١٣: ۲٠) ٤. الكاهن واﻠﻠﭽيو ماريا إن فكرة الكاهن، المطوّق بجماعة مخلصة تقاسمه جهده، إنما هي إتباع لمثال السيد المسيح الذي عندما إستعد لهداية العالم، أحاط نفسه بفريق من المختارين وعلمهم بنفسه وملأهم من روحه. هذا الدرس الإلهي تعلمه الرسل وجعلوه موضع التنفيذ، إذ دعوا كل المؤمنين إلى مساعدتهم في إكتساب النفوس. ويظهر هذا في القول الجميل (للكاردينال بتسردو Pizzaredo)، أن الغرباء الآتين من روما (رسل٢: ١٠)، بعدما سمعوا بشارة الرسل وكرازتهم يوم العنصرة صاروا أول المبشرين بيسوع المسيح في روما، فنثروا بذار الكنيسة العظمى، أم الكنائس، التي أسسها القديسان بطرس وبولس رسمياً فيما بعد. “ماذا كان بوسع الإثني عشر الموزعين في أقطار العالم الواسعة أن يعملوا إن لم يجمعوا حولهم من يعاونهم من الرجال والنساء، والشيوخ والشباب، وقالوا لهم: ‘نحن نحمل كنوز السماء، فساعدونا أنتم على توزيعها’.” (البابا بيوس الحادي عشر) فإلى الأقوال المقتبسة من قداسة البابا نضيف تلك الخاصة بآخر لنستعرض فى النهاية إن المثال الذى إتبعه السيد المسيح ورسله لهداية العالم قد أراد الله أن يصير نموذج يقتدي به كل كاهن في علاقته مع عالمه الصغير، سواء الرعية، أو البلدة، أو عمله الخاص:- “في إجتماع لفريق من الكرادلة فى أحد الأيام، توجه قداسة البابا (القديس بيوس العاشر) إليهم بالسؤال: “ما هو العمل الأكثر ضرورة لخلاص المجتمع المعاصر؟” فأجاب أحدهم “بناء المدارس الكاثوليكية”. وقال آخر: “لا، بل أن ينشأ عدد أكبر من الكنائس”. وقال ثالث: “أن يزاد عدد الإكليروس”. وكان قداسته يجيب على كل منهم بالنفي. وقال قداسته: “إننا اليوم في أشد الحاجة إلى أن يكون في كل رعية فريق من العلمانيين يكونون فى ذات الوقت من ذوى الفضيلة، متفتحين، ثابتي العزم، لديهم الإقدام والجرأة الرسولية الحقة”. كان هذا البابا القديس، في أواخر حياته، يعتمد في خلاص العالم على غيرة الإكليروس في إعداد مؤمنين متخصّصين للرسالة بالقول والعمل ولا سيما بالمثل. وعندما كان يباشر خدمته الكهنوتية والرعائية في الإيبارشيات، قبل إنتخابه للكرسي البابوي، يعلق أهمية كبرى لا على الإحصائيات الرعوية، بل على قوائم المؤمنين الذين يشعّون بإيمانهم وبممارسة الرسالة. آمن هذا البابا القديس أن إعداد مؤمنين قادرين على عيش الرسالة، أمر ممكن في كل بيئة ومحيط. وصَنَفَ كهنته وفق النتائج التي يحصدونها بغيرتهم وعملهم في هذا الأمر.” (شوتار Chautard: روح الرسالة ٤، يتبع...). “إن وظيفة الراعي لا تنحصر في الرعاية الفردية للمؤمنين، وإنما تمتد مهامها الخاصة أيضاً إلى تكوين جماعة مسيحية حقيقية. ولكن روح الجماعة لا تنمو حقاً إلا إذا تجاوزت روح الكنيسة المحلية لتشمل الكنيسة الجامعة. فيجب على الجماعة المحلية ألا تقصر إهتمامها على مؤمنيها وحدهم فقط، وإنما عليها أن تتحلى بالروح الرسولية، وتمهد لجميع الناس طريقاً إلى المسيح، وتعنى خصوصاً بالموعوظين والمعمّدين حديثاً، إذ عليها أن تثقفهم شيئاً فشيئاً على إكتشاف الحياة المسيحية وممارستها.” (قرار حول خدمة الكهنة الراعوية وحياتهم - ٦) “وجد الإله المتجسد أنه من الضروري أن يترك جسده السري على الأرض، ولو لم يفعل ذلك لإنتهى عمله على الجلجثة. وموته قد إستحق خلاص الجنس البشري، ولكن ترى كم من الناس بإمكانهم أن ينالوا السماء بدون كنيسته التي تحمل إليهم الحياة من الصليب؟ لقد شبّه المسيح نفسه بالكاهن بطريقة خاصة. فالكاهن يشبه قلباً إضافياً، يضخ بطريقة خاصة، الدم المحيي الفائق الطبيعة، إلى النفوس. وهو جزء أساسي في جهاز النقل الروحي في جسد المسيح السريّ. فإذا توقف هو توقف النظام كله، وحُرِمَ المتكلين عليه من الحياة التي يريد المسيح أن ينالوها. فالكاهن، في نطاقه المحدود، يجب أن يكون لرعيته كالمسيح للكنيسة. فأعضاء المسيح هم إمتداد لذاته وليسوا موظفين فقط، أواتباعاً أو منتسبين، أو معاضدين. فلديهم حياته، وهم يشاطرونه نشاطه، ويجب أن تكون فيهم نظرته للأمور. فالكهنة هم واحد مع المسيح في كل ظرف ممكن. لقد وجد المسيح أنه من الضروري أن يكون لنفسه جسد روحي؛ وعلى الكاهن أن يفعل نفس الشىء. عليه أن يُكَوّن لذاته أعضاء يكونون معه واحداً. فإذا لم يُكَوّن مثل هؤلاء الأعضاء النابضين بالحياة، فلن يلبث أن يرى عمله قد تناقص ولا يكاد يُذكر، وبقي منعزلاً دون معين. “فلا تَستَطيعُ العَينُ أَن تَقولَ لِليَد: “لا حاجَةَ بي إِلَيكِ” ولا الرَّأسُ لِلرِّجْلَينِ: “لا حاجَةَ بي إِلَيكُما”.” (١ قور١٢: ٢١)
وبالتالى فإذا كان المسيح قد جعل الجسد السري هو القاعدة لطريقه وحقه وحياته للنفوس، فإن نفس هذا الترتيب يعمل بدقة من خلال المسيح الجديد، أي الكاهن. فإن لم يطبق الكاهن خدمته لدرجة حقيقية يتم بها كمال بناء الجسد السري، ذلك البناء المشار إليه في الرسالة إلى أهل أفسس (٤: ۱۲، النص الذي غالباً ما يُترجم ببناء المؤمنين الروحي)، فإن الحياة السماوية التي من المفترض أن تدخل النفوس وتخرج منها بثمار حسنة لن تنفذ إليها إلا بمقدار ضئيل ناقص.
إضافة إلى ذلك، فإن الكاهن نفسه سوف يعانى من هذا الحرمان إنطلاقاً من حقيقة أنه كما أن مهمة الرأس هى أن تبعث الحياة في الجسد، فهى كذلك أيضاً تحيا بحياة الجسد، وتنمو بنموها، وتشارك فى ضعفه إن وهن.
إن الكاهن الذي لا يدرك قانون الرسالة الكهنوتية هذا، سيمضي في الحياة محققاً جزءاً ضيئلاً من قدراته، بينما قََدَرَه الحقيقى في المسيح هو أن يعانق الأفق.”
(ريبلي Canon F. J. Ripley) ٥. اﻠﻠﭽيو ماريا في الرعيـة “ويستطيع المؤمنون العلمانيون، بل يتوجب عليهم، في الظروف الحالية أن يبذلوا أقصى الجهد لتنمية شركة كنسية صحيحة، في داخل الرعايا التي ينتمون إليها، ولإيقاظ الغيرة الرسولية تجاه غير المؤمنين، وكذلك في إتجاه مَن أهمل مِن المؤمنين ممارسة الحياة المسيحية، أو تراخى في ممارستها” (دعوة ورسالة العلمانيين في الكنيسة والعالم، البابا الطوباوى يوحنا بولس الثاني، ١٩٨٨-٢٧). سيتضح أن روح الجماعة الحقيقي سوف ينمو ويزدهر، إذا ما تأسست اﻠﻠﭽيو ماريا في الرعية. فمن خلالها، يعتاد العلمانيون العمل في الرعية بوحدة مع كهنتهم، فيشاركون في المسؤوليات والمهام الرعوية. كما أن إنتظام الأنشطة الرعوية المختلفة من خلال إجتماعات إسبوعية منتظمة هو فائدة بحد ذاته. ويجب الأخذ بعين الإعتبار إن أولئك الذين يشتركون في العمل الرعوي، من خلال عضويتهم في اﻠﻠﭽيو ماريا، يحصلون على تنشئة وتكوين روحي، يساعدهم على فهم أن الرعية هي الجماعة الإفخارستية، ومن خلال نهج منظم، يُمكّنَهم من الوصول إلى كل فرد في الرعية من أجل بناء الجماعة. يحتوي الفصل٣٧ في هذا الكتاب شرحاً لبعض الطرق المقترحة التي يمكن ﻠﻠﭽيو ماريا تنفيذ رسالتها في الرعية من خلالها. “على الكهنة أن يعتبروا رسالة العلمانيين جزءاً أساسياً من خدمتهم الكهنوتية، وعلى المؤمنين أن يعتبروها أحد واجبات الحياة المسيحية.”
(البابا بيوس الحادي عشر) ٦. ثمارها مثالية سامية وفعّالة إذا حصرت الكنيسة ذاتها ضمن نطاق عمل رتيب متحفظ، فإنها تضع الحقيقة، التي تعهدت على حراستها، في وضع حرج جداً. فإذا ما إعتاد الشباب أن يتطلع إلى منظمات علمانية محضة، أو لا دينية، سعياً لمثالية فعالة تتوق إليها كل طبيعة سخية، فإن أذى رهيب قد حدث، ستدفع ثمنه الأجيال القادمة.
هنا، تستطيع اﻠﻠﭽيو ماريا أن تكون عوناً من خلال أن تجعل من برنامجها مشروعاً وجهداً وتضحية، فيضع في خدمة الكنيسة “المثالية”، و“العمل” فتجعل منهما عونين للعقيدة الكاثوليكية.
وفقاً لقول المؤرخ ليكي، فإن العالم تقوده أفكاره المثالية. فإذا كان الأمر كذلك، فالذين يضعون نصب عيونهم هدفاً مثالياً سامياً، فإنهم ينهضون بالجنس البشري بأكمله؛ شرط أن يكون هذا الهدف السامي عملياً، وواضحاً، بحيث لا يفوق إدراك أي من الناس. إن ما تقدمه اﻠﻠﭽيو ماريا من المثل العليا لأعضائها يتحقق فيها هذان الشرطان. من الصفات المميزة ﻠﻠﭽيو ماريا أن عملها مبارك من خلال الدعوات الكهنوتية والرهبانية العديدة التي تفتحت بين أعضائها وأبنائهم.
وهناك من يعترض بأن الأنانية السائدة في عصرنا الحاضر، لا تسمح بأن يتحمل أحد مسؤولية عضويته في اﻠﻠﭽيو ماريا. إن هذا الإعتراض لعلى قدر عظيم من الخطأ. فالأعداد الكبيرة التي تلبي الدعوة إلى مزاولة الأعمال العادية، سوف تزول ولا يبقى بعدها أثر، أما القليلون الذين يندفعون وراء الأعمال النبيلة فسيثبتون، وشيئاً فشيئاً ينتقل نشاطهم وحرارتهم إلى الكثيرين. إن فرقة اﻠﻠﭽيو ماريا من الممكن أن تصير آلة جبارة لمساعدة الكاهن على أن يضم العلمانيين تدريجياً للمعاونة فى حمل بشارة الإنجيل لهؤلاء الموكل إليه خدمتهم، ذلك بمجرد قضاء ساعة ونصف فى حضور الإجتماع الإسبوعى، وإرشاد وتشجيع وإنماء روحانية الأعضاء، كل ذلك سوف يُتيح للكاهن أن يكون حاضراً في كل مكان، وأن يسمع كل شيء، ويؤثر في جميع النفوس، ويتغلب على كل ما يفوق قواه الطبيعية. في محصلة الأمر، إن إدارة فِرَق متعددة على هذا النحو، تبدو أفضل وسيلة يوظف الكاهن بها غيرته الرسولية. وهكذا إذ يتسلح الكاهن بأعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا (هم فى ذواتهم مجرد أدوات بسيطة أخرى كالعصا، والجراب والمقلاع والحجارة، والتي بفضل مريم تحولت إلى أدوات سماوية) يصبح مثل داود آخر، قادراً على منازلة “جليات” العملاق، أي الرذيلة والكفر، وفي نفسه ثقة وطيدة بالإنتصار. “إن القوة الأخلاقية لا القوة المادية، هي التي تؤيد رسالتكم وتضمن لكم النصر. فليس الجبابرة هم الأقدر على العمل. فكم كانت الأرض المقدسة صغيرة! لكنها هي التي أَخضعت العالم. وكم كانت فقيرة تلك البقعة من اليونان القديمة! لكنها هي التي هَذبت العقل البشري. كان موسى واحداً فقط، وكذلك إيليا وداود وبولس وأثناسيوس ولاون. إن النعمة تعمل بواسطة القليل؛ أدوات السماء هي رؤيا دقيقة للهدف، وعقيدة حارة، وعزم لا يُقهر في الكتلة الصغيرة، هى دم الشهيد، هى صلاة القديس، هى العمل البطولي هى الأزمة العابرة، هى النشاط المحصور في كلمة أو نظرة واحدة. فلا تخف أيها القطيع الصغير، لأن القائم في وسطك قدير وفاعل في سبيلك المعجزات.”
(الكاردينال الطوباوى نيومن: وضع الكاثوليك الحاضر) ٧. نظام المعلم والمبتدئ في التنشئة تقوم الفكرة العامة للتنشئة فى مجال الرسالة على الإستماع إلى المحاضرات ودراسة الكتب المتخصصة. أما اﻠﻠﭽيو ماريا فتؤمن بأن التنشئة لا يمكن تحقيقها على الإطلاق دون ممارسة مصاحبة للعمل ذاته. فالحديث حول العمل الرسولي المنفصل عن عمل فعلي، قد يأتي بنتيجة عكس ما هو مطلوب. فمن المستحب أن يشمل النقاش حول تتميم عمل ما، وصفاً لصعوباته، وأيضاً تخطيط لروح ومعايير أداء سامية جداً. فإذا دار الحديث حول هذه الأمور مع أعضاء جدد، من غير أن يوضح لهم عملياً أن العمل لا يفوق قواهم، بل هو فى الحقيقة سهل التنفيذ، كانت النتيجة أن الشرح النظري يخيفهم، فيمنعهم عن القيام به. بالإضافة إلى أن نظام التعلم عن طريق المحاضرات يُنتِج أعضاء نظريين، يتصوّرون أنهم قادرون على هداية العالم بعملهم الفكري المحض. وأمثال هؤلاء لا يندفعون بسهولة إلى تخصيص ذواتهم للأعمال المتروكة المهملة، ولملاحقة الإتصالات الفردية المضنية التي يتعلق بها، حقيقة، كل شيء، تلك التى يمكن القول أن أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا يقبلونها بطيب خاطر. إن فكرة اﻠﻠﭽيو ماريا في التنشئة هي طريقة المعلم والمبتدئ. ويُعتَقد أنها الطريقة المُثلى، المستعملة في كل الحِرَف والمِهَن، بدون إستثناء. فالمعلم بدلاً من أن يقدّم محاضرات طويلة، يضع العمل تحت نظر المبتدئ. وبالممارسة التطبيقية، يشرح له كيف يجب أن يتم العمل، معلقاً على المراحل المختلفة للعمل، بينما يقوم بها. حينئذ يحاول المبتدئ القيام بالعمل بنفسه، ويتم تصليح أخطائه حال ظهورها. ومن خلال هذا النظام يخرج العامل متقناً لحرفته. إن الشرح النظري من خلال المحاضرات يقوم على العمل نفسه، بحيث ترتبط كل كلمة بفعل. فإن لم يحدث ذلك، يخشى أن يأتي بنتائج ضئيلة. وقد لا يحفظ منه شيء. ومن العجيب أن الطلبة الذين ينتظمون فى حضور المحاضرات لا يتذكرون في نهاية الأمر إلا القليل منها. وإذا ما إقترحت أي منظمة رسولية تدريب أعضائها بأسلوب المحاضرات، فإنها لا تجذب إليها إلا العدد القليل من الأعضاء. فإن أكثر الناس، وخاصة البسطاء، متى إجتازوا مرحلة الدراسة، وإنتهوا من الغرف الدراسية، لا يحبون مشهد رجوعهم إليها، حتى وإن كانت الغرفة الدراسية مقدّسة. ولهذا السبب تخفق أنظمة التعليم الرسولي في إجتذاب العديد إليها. أما اﻠﻠﭽيو ماريا فهي تخط برنامجها بطريقة أبسط، وتسلك في هذا الشأن خط علم النفس. فعضو اﻠﻠﭽيو ماريا، يكتفي بأن يقول لأشخاص آخرين: “تعالوا وأتموا العمل معي.” وبذلك لا يجد المدعوون أنفسهم في غرفة دراسية، بل أمام عمل رسولي يقوم بإنجازه شخص مثلهم، فيدركون عندئذ أن العمل في نطاق قدراتهم، ويتقدمون بطيب خاطر للإنضمام إلى المنظمة. ومتى أصبحوا أعضاء، ورأوا بأم أعينهم كيف ينجز العمل، وشاركوا بأنفسهم في إنجازه، ومتى تعلموا من الإستماع إلى التقارير والتعليقات التي تقدم حولها في الإجتماع، وإستمعوا إلى الطريقة المثلى لتحقيقها، لا يلبثون أن يصبحوا هم أنفسهم رسلاً أكفاء. “في بعض الأحيان، يوجه النقد ﻠﻠﭽيو ماريا حول قلة خبرة أعضائها، أو عدم إصرارها على أن يكرسوا وقتاً أطول للدراسة. فليقال رداً على ذلك: (أ) إن اﻠﻠﭽيو ماريا تستخدم وبشكل منتظم مساهمة أعضائها الأكثر قدرة وكفاءة. (ب) وبينما تتجنّب التشديد المُبالَغ فيه على الدراسة، فهي تجتهد بطرق مناسبة لأن يقوم كل من الأعضاء بالرسالة التي تلائمه. (ج) لكن الهدف الغالب هو توفير إطار عمل تستطيع اﻠﻠﭽيو ماريا من خلاله أن تقول للكاثوليكي العادي: “تعال، وإحضر موهبتك المتواضعة، ونحن سنعلمك كيف تطوّرها لتستخدمها من خلال مريم لمجد الله”. فيجب ألا ننسى بأن اﻠﻠﭽيو ماريا هى لمَن هم أقل مكانة وأقل حظاً بنفس الدرجة كما هي للمتعلمين والأقوياء.”
(الأب توماس أوفلاين Thomas P. O’Flynn،
مرشد روحي سابق للقيــادة العامــة ﻠﻠﭽيــو ماريا)
تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح