الفصل الخامس
أشكال الإكرام الأساسية
في اللچيو ماريا إن أشكال الإكرام الأساسية ﻠﻠﭽيو ماريا تنعكس في صلواتها. فهي مؤسسة أولاً على إيمان عظيم بالله وحبه لأبنائه. فإن الله يشاء أن تثمر جهودنا مجداً عظيماً له. فهو لذلك، يطهّرها ويوليها النمو والإستمرارية. إننا نتأرجح أحياناً بين متناقضين: فتور وعدم مبالاة حيناً، وحماسة وإنتعاشاً حيناً آخر، وكأننا نعتبر الله بعيداً كل البعد عن أعمالنا. لذلك، يجب علينا أن نتأكد أن كل قصد صالح لا ينشأ فينا إلا لأن الله تعالى قد غرسه في قلوبنا، ولا يثمر إلا بمساندته لنا كل حين. فنجاح هذه المؤسسة التي بين أيدينا يعنيه أكثر مما يعنينا نحن. وأن رغبتنا في إرتداد إحدى النفوس، لا تقاس بمدى رغبته اللامتناهية. نحن نتمنى أن نصبح قديسين، ولكن الله يتمنى ذلك لنا أكثر بمليون مرّة.
وهذه الثقة بأن الله، الآب الحنون، يعضد أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا في عمل تقديس نفوسهم، وفي الخدمات التي يؤدونها للقريب، يجب أن تكون سنداً أساسياً لهم. ولا شيء يقف في وجه هذا النجاح سوى فقدان هذه الثقة. فإذا كان لنا إيمان كاف، فلن يتردّد الله بأن يجعلنا أدوات يستخدمها ليغلب العالم. “لأَنَّ كُلَّ ما وُلِدَ للهِ يَغلِبُ العالَم. وما غَلَبَ العالَمَ هذه الغَلَبة هو إِيمانُنا” (١ يو ٥: ٤) “أن نؤمن، هذا يعني أن نستسلم إلى حقيقة كلمة الله الحي، وعياً منا وإقراراً بتواضع “وما أَعسَرَ إِدراكَ أَحكامِه وتَبيُّنَ طُرُقِه” (روم ١١: ٣٣). ومريم التي يمكن أن يقال إنها وضعت، بإرادة العليّ الأزلية، في وسط “طرق الله هذه البعيدة عن التَبيُّن”، وهذه “الأحكام البعيدة عن الإدراك” ترضخ لها في عتمة الإيمان، وتقبل قبولاً كلياً، بقلب مستعد، كل شىء قد أقره المخطط الإلهى. (مريم، أم الفادي، البابا الطوباوى يوحنا بولس الثاني، ١٩٨٧- ١٤) ١. الله ومريم ترتكز اﻠﻠﭽيو ماريا، من بعد الله، على إكرام مريم “أعجوبة العلي ومعجزته” (البابا بيوس التاسع). ولكن، ما هو مكان مريم بالنسبة لله؟ إنه قد أخرجها من العدم كما أخرج سائر أبناء الأرض، وإن كان قد رفعها منذ ذلك الحين “إلى درجة سامية من النعمة تفوق التصوّر” فهي، مع ذلك، عدم إذا قوبلت به هو خالقها. فهى بالحقيقة - وبصورة أعظم من الآخرين - خليقة الله الممتازة، إذ قد صنع بها ما لم يصنعه بخليقة غيرها، وبقدر ما تعظم المعجزات التي صنعها بها، تبدو هي عمل يديه الأكمل. فما أعظم ما أتمّه الله بها. لقد كانت منذ الأزل، كما كان الفادي، حاضرة في فكر الله، وقد أشركها في أسرار مقاصد نعمته وجعلها أماً حقيقية لإبنه، وأماً لجميع المتحدين به. فقد صنع ذلك كله، أولاً: لينال من مريم شكراً يفوق شكر سائر الخلائق النقية مجتمعة. وثانياً: ليرفع، بطريقة يعجز عقلنا عن إدراكها، من قيمة التمجيد الممكن أن يأتيه منا. وعلى هذا، فإن ما نقدّمه لمريم من الصلاة والخدمة ودياً وتطوعياً، عرفاناً بمظاهر حنانها الوالدي نحونا، وإهتمامها بخلاصنا، لا يشكل خسارة بالنسبة لله الذي خلقها هكذا. لأن ما نقدّمه نحن لمريم يؤول بصورة مؤكدة وكاملة إلى مجد الله نفسه، مضافاً إليه إستحقاقات الشفيعة. لأن مريم هي أكثر من رسول أمين. فلقد دبر الله لها أن تصير عنصر حي في تدبيره الرؤوف، بحيث يتعاظم مجده تعالى والنعمة المعطاة لنا بفعل وجودها.
والآب الأزلي يقبل بفرح، بواسطة مريم، العبادة التي نرفعها إليه. فقد سُرّ وإرتضى بأن يختار هذه الأم الحنون لتكون القناة التي توصّل إلى البشر فيض رحمته وحنانه ومفاعيل قدرته السخية، مبتدئاً بمن هو مصدر كل تلك النعم، الأقنوم الثاني، إبن الله المتأنس، حياتنا الحقة وخلاصنا الأوحد. “إذا كنت أريد أن أتَعلق بالأم فلكي أصير عبداً للإبن، وإذا رغبت في أن أصبح من خاصتها، فلكي أؤدي إلى الله بطريقة أمينة فريضة خضوعي.”
(القديس الدفونسس Ildephonsus) ٢. مريم وسيطة جميع النعم إن ﻠﻠﭽيو ماريا ثقةً بمريم لا حد لها، لأنهم يعلمون أن الله قد رسم ألا يكون لقدرتها حدود. فقد أعطاها كل ما كان يمكن أن يعطيها، وهي قبلت منه تعالى ملء ما كان بوسعها أن تنال. وقد جعل الله لنا من خلالها وسيلة خاصة للنعمة. فإذا سلكنا متحدين بها، إزددنا بها تقرّباً إليه، ونلنا مقداراً أوفر من النعم، إذ نكون عندئذ في قلب تيار شديد يفيض بالنعمة، لأن مريم عروس الروح القدس هي القناة الناقلة لنا كل نعمة إستحقها لنا يسوع المسيح. ونحن لا ننال شيئاً ما لم تستمده لنا أمنا السماوية بتدخل خاص، وهي لا تكتفي بأن توصل إلينا كل نعمة، بل تنالها لنا.
واﻠﻠﭽيو ماريا، وقد تشرّبت هذا الإيمان الحي لوساطة مريم، تطلب من كل أعضائها أن يؤمنوا بتلك الوساطة، وأن يكون ذلك الإيمان إكرامهم الخاص.
“أنظروا بأيّ عواطف التقوى والحب يجب علينا أن نكرّم مريم، وفقاً لمشيئة الله الذي وضع فيها ملء جميع الخيرات، بحيث لا ننسى أبداً أن كل ما لنا من رجاء ونعمة وخلاص - أقول دون ذرة شك - إنما يتدفق من يديها.”
(القديس برنارد Sermo de Aquaeductu) ٣. مريم الطاهرة والبريئة من الدنس شكل ثانى للإكرام فى اﻠﻠﭽيو ماريا يتوجه إلى إكرام مريم التي حُبل بها بلا دنس الخطيئة الأصلية. إن الأعضاء الأوائل من اﻠﻠﭽيو ماريا، منذ أول إجتماع لهم، صلوا وتناقشوا حلول مذبح صغير عليه تمثال الحبل بلا دنس، مماثلاً للتماثيل التي تنصب اليوم أثناء إجتماعات الفِرَق. وعلاوة على ذلك يمكن القول إن النسمة الأولى ﻠﻠﭽيو ماريا قد رسمت فى هتاف لتمجيد تلك الحظوة التى إمتازت بها سيدتنا وهو الذي أعدّ العذراء لكل الكرامات وكل الإمتيازات التي منحها الله إياها فيما بعد. ولقد أشار الله تعالى إلى الحبل الطاهر، في نفس الجملة التى وعدنا فيها بمريم العذراء ذاتها للمرة الأولى. هذا الإمتياز هو جزء لا ينفصل عن مريم العذراء، فمريم هي الحبل بلا دنس. وتتنبأ الكتب المقدسة عن سائر الإمتيازات الإلهية الناجمة عن هذا الامتياز: أمومة مريم الإلهية، وسحق رأس الحية بواسطة الفداء، وأمومتها الروحية لجميع البشر. “وأَجعَلُ عَداوةً بَينَكِ وبَينَ المَرأَة وبَينَ نَسْلِكِ ونَسْلِها فهُوَ يَسحَق رأسَكِ وأَنتِ تُصيبينَ عَقِبَه.” (تك ٣ : ١٥) من هذه الأقوال التي وجهها الله القدير إلى الشيطان، يستمد أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا ثقتهم الحارة وسر قوتهم في محاربة الخطيئة، فهم يرغبون في أن يصيروا نسلاً لمريم، لأن في ذلك عربون إنتصارهم. فبقدر ما نصير أبناء لمريم الطاهرة البريئة من الدنس، يزداد عداؤنا لقوى الشر، ويزداد إنتصارنا كمالاً. “إن أسفار العهدين القديم والجديد المقدّسة والتقليد المبجل، توضح، أكثر فأكثر، مهمّة أم المخلص في تدبير الخلاص، وتُقدّمها، على نحو ما، موضوعاً لتأملاتنا. فأسفار العهد القديم تصف تاريخ الخلاص والتمهيد التدريجي لمجيء المسيح إلى العالم. وهذه الوثائق الأولى، كما تُقرأ في الكنيسة وتُفهم في ضوء الوحي اللاحق الكامل، تُظهر تدريجياً في هالة من الضياء السنيّ، وجه المرأة، أم الفادي. وفي هذا الضياء تبدو، من خلال النبوءة، الخطوط الأولى في الوعد بالنصر على الشيطان الذي وُعد به أبوانا الأولان بعد الزلل. (أنظر تك ٣: ١٥)”
(دستور عقائدي حول الكنيسة - ٥٥) ٤. مريم أمنا إذا إدّعينا أن لنا حقاً في ميراث البنين، وَجبَ علينا أن نكرّم الأمومة التي تعطينا هذا الحق. وإكرام اﻠﻠﭽيو ماريا للعذراء هو إكرامها كأم حقيقية. صارت مريم أم يسوع المسيح لمّا عبّرت عن قبولها المتواضع لتحية الملاك قائلة: “ها أنا أمــة الرب، فليكــن لـــي بحســب قـــولك” (لو١: ٣٨). وصارت أماً لنا وأعلنت هذه الأمومة وسط العذاب الذي تحملته على الجلجثة، إذ قال لها يسوع من أعلى صليبه: “يا إمرأة هوذا إبنك”؛ وللقديس يوحنا: “هذه أمك” (يو١٩: ٢٦-٢٧). فهذه الأقوال كانت موجهة إلى جميع المختارين في شخص يوحنا الحبيب. وهكذا صارت مريم منذ ذلك الحين أمنا، بكل ما في هذه الكلمة من معان، بمشاركتها التامة لإبنها الإلهي في عمل الفداء، بالرضى والعذابات.
وبما أننا أبناؤها، يجب علينا أن نسلك كأبناء، بل كأصغر الأبناء المتعلقين بها تمام التعلق، يجب أن نلتمس منها أن تغذينا، وتهدينا وتعلمنا، وتخلصنا من الشرور، وتعزينا في أحزاننا؛ تسدي إلينا النصح عندما تعترينا الشكوك، وترجعنا عن ضلالنا؛ بحيث نستطيع، ونحن مستسلمون تماماً إلى عنايتها، أن ننمو متشبّهين بأخينا البكر يسوع. فنشاركه في رسالة محاربته للخطيئة والإنتصار عليها.
وعلى أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا أن يتأملوا بلا إنقطاع، في حقيقة كون مريم أمنا، بحيث يتسع إيماننا بمهمّتها الوالدية، فيدفعنا إلى ممارسة تعبّر عملياً عن عقيدتنا الوطيدة، ومحبتنا الحارة، ويجعلنا أهلاً لتلك التي هي على أكمل وجه أمّنا. “إن مريم هي أم الكنيسة، ليست لأنها أم المسيح وشريكته الوثيقة في مخطط الخلاص عندما أخذ إبن الله الطبيعة البشرية منها وبجسده السري حرر العالم من الخطيئة فحسب، بل أيضاً لأنها “ تشعّ على البشرية بأجمعها كمثال للفضيلة.” لا يمكن لأي أم أن تحدد عملها في خلق إنسان جديد فحسب، بل عليها أن تغذيه وتعلمه، كما فعلت العذراء مريم بالضبط. فهي بعد أن شاركت في التضحية الخلاصية لإبنها، والتي كانت مشاركة وثيقة جداً إستحقت من أجلها لقب: الأم؛ ليس للتلميذ يوحنا فقط، بل للخليقة كلها التي هو بطريقة ما يمثلها، ها هي الآن تمارس أمومتها من السماء كشريكة في خلق الحياة الإلهية في كل نفس من النفوس المخلصة. إنها لحقيقة معزية، دخلت في سر خلاص الإنسان بإرادة الله سبحانه وتعالى، ولذلك عليها أن تبقى كركن إيمان لجميع المسيحيين.
(التكريس لسيدتنا مريم العذراء، البابا بولس السادس، ١٩٦٧) ٥. إكرام مريم هو أساس رسالة اﻠﻠﭽيو ماريا مِن أقدس الواجبات على قلب اﻠﻠﭽيو ماريا هو إبداء الإكرام الحار لأم الله. وهي لا تستطيع ذلك إلا بواسطة أبنائها. فعليهم المساهمة في ذلك بالتأمل العميق وممارسة أعمال الغَيرة الرسولية. ولكي يكون هذا الإكرام ضريبة حقيقية على الأبناء، يجب إعتباره فريضة أساسية على الجميع، فريضة لها أهمية الإجتماع الإسبوعى والعمل الرسولي، وعلى الجميع المشاركة فيها بإتحاد تام. تلك الرؤية لا يملك الأعضاء أمامها إلا أن يكونوا شديدى التأثر.
وهذه الوحدة والإتفاق في الإكرام هو أمر في غاية الدقة. وكل شخص من اﻠﻠﭽيو ماريا مسؤول عنها جزئياً، إلا أنه في إمكانه للأسف، أن يجعل هذه الوحدة في خطر، لذلك ينبغي على كل منا أن يسهر عليها بإحتراس شديد. فإذا أُهمل هذا الواجب ولم يؤلف أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا من أنفسهم “حجارة حية لبيت روحي” (١بط ٢: ٥)، بات قسم حيوي من كيان اﻠﻠﭽيو مزعزعاً. وإذا ضعفت أيضاً حجارة أخرى، تتحوّل المنظمة إلى خرائب لا تصلح لإيواء أولادها، ولا أن تحفظهم تحت لوائها. وبالتالي لا يعود للمنظمة ما كان ينبغي أن تكون: “منبت الآمال النبيلة، ونقطة إنطلاق المساعي البطولية”.
وبعكس ذلك إذا وقف الجميع صفاً واحداً في إتمام هذا البند من الخدمة المريمية على أكمل وجه، فإن منظمة اﻠﻠﭽيو ماريا ستمتاز حينئذ، بين كافة المنظمات، لا بتقواها السامية وإكرامها لمريم فحسب، بل أيضاً بوحدة عجيبة في الروح والغاية والعمل. إن هذه الوحدة ثمينة للغاية في عيني الله تعالى، حتى أنه خصّها بقدرة لا تقاوم. فإن كان الإكرام الفردي لمريم، هو لكل مسيحي بمفرده قناة خاصة تحمل إليه النعمة، فماذا يكون بالنسبة لمنظمة تثابر بروح واحد على الصلاة (رسل١: ١٤)، مع تلك التي وضع الله في يدها كل شيء، وتشارك فى روحها وتدخل بالكامل فى المخطط الإلهي في توزيع النعم؟ أفلا تمتلىء مثل هذه المنظمة من الروح القدس؟ (رسل٢ :٤) وكم ستصنع من “الأَعاجيبِ والآيات.” (رسل٢ : ٤٣) “إن العذراء بصلاتها في العلية فى وسط الرسل وهى تسكب قلبها لأجلهم، بأنّات لا تُوصف، تطلب للكنيسة وتُعَجّل حلول مواهب الروح المعزي الغزيرة والمتنوّعة. تلك المواهب التي هي عطيّة المسيح الأسمى، والكنز الذي لن ينضب معينه على مدى الأجيال.”
(المسبحة الوردية، البابا ليون الثامن، ١٨٩٤) ٦. لو عرف الناس مريم! إن الكاهن الذي يجاهد على غير أمل في النجاح، في بحر من عدم الإكتراث الديني، يُوصَى بأن يقرأ ويتأمل فقرة من مقدّمة وضعها الأب فابر Faber لكتاب القديس لويس دي مونفور: “الإكرام الحق لمريم” (مصدر غني لتأملات اﻠﻠﭽيو ماريا). فهذه الصفحة قد تفيد الكاهن كمقدّمة للفحص عن الفوائد والمساعدات التي تؤديها له اﻠﻠﭽيو ماريا. وملخص ما يقوله الأب فابر، إن مريم ليست معروفة أو محبوبة بدرجة كافية، وذلك يلحق بالنفوس ضرراً جسيماً: “فالإكرام الذي يؤدّى لها قليل، وهش، وهزيل. لا إيمان له بذاته يستند إليه. بالتالى فإن يسوع يبقى غير محبوب، والضالين عن الإيمان لا يهتدون، ولا يرتفع شأن الكنيسة، ونفوساً كثيرة تذبل وتذوى بعد أن كان بوسعها أن تبلغ القداسة، والأسرار لا يُقبل إليها بتواتر، والنفوس لا يتم تبشيرها بالحماسة والغيرة الرسولية الكافية. ويسوع قلما يُعرف؛ لأن أمّه منسية. إن ألوفاً من النفوس تهلك لأن مريم غير متاحة لهم. إنها تلك الضلالة البائسة والغير لائقة التي تنتاب بعضهم حيال ما ندعوه “إكرام العذراء المباركة” هى السبب فى كل البلايا، والنكبات، وتلك الشرور والتقصيرات والتقهقرات. ولكن إذا كنا نؤمن بالإيحاءات الإلهية للقديسين فإن الله يطلب بإلحاح إكراماً أعظم، وأوسع وأقوى، إكراماً مختلفاً تماماً لوالدته المباركة. فليمتحن أحدنا هذا الأمر، وليمارس الإكرام الكامل لنفسه، وسوف يندهش ممّا سوف يأتيه من النعم والتغييرات العظيمة التى تصنعها في نفسه، فيقتنع عاجلاً بفاعليته المذهلة، كوسيلة لنيل خلاص البشر ومن أجل مجىء ملكوت يسوع المسيح.” “لقد أُعْطي للعذراء القديرة أن تسحق رأس الحية، وأُعطي للنفوس المتحدة بها أن تنتصر على الخطيئة. بهذا يجب أن نؤمن ويكون إيماننا ثابتاً غير متزعزع، وبرجاء وطيد.
إن الله يريد أن يمنحنا كل شيء. ولكن كل شيء يعتمد الآن علينا، وعليكِ يا أم الله، يا من بكِ يُنال كل شيء ويُحفظ ويُنقل. إن كل شيء متعلق بإتحاد البشر بتلك التي سلّم الله إليها كل شيء.”
(جراتري Gratry) ٧. فلنعط مريم للعالم بما أن إكرام مريم يُثمر مثل هذه الأعاجيب، فيجب أن يكون هدفنا الرئيسي أن نجلب هذه الأداة العجيبة، وبعبارة وجيزة، يجب أن نحمل، بل أن نعطي مريم للعالم. وكيف يمكن القيام بذلك بصورة أكثر فاعلية إلا من خلال منظمة رسولية للعلمانيين - ومن ثمَ فهى غير محدودة من حيث العدد؛ نشيطة - ومن ثمَ فهى متغلغلة في كل مكان؛ منظمة مٌحبة لمريم بكل قواها، وآخذة على عاتقها جذب جميع القلوب إلى حب مريم، وإستخدام كل ما لديها من وسائل لإتمام هذا الهدف النبيل. لذلك تحمل اﻠﻠﭽيو ماريا إسم مريم بفخر وإعتزاز لا يوصف؛ مُشيّدة كمنظمة على أساس من ثقة بنوية غير محدودة بمريم، فالصلابة تمنح لهذه المنظمة عن طريق غرسها في صميم قلب كل عضو من أعضائها، وبالتالى يكون لها هؤلاء الأعضاء الذين يؤلفون أجزاء ماكينة تدور فى تناغم من الولاء والإلتزام يصل إلى حد الكمال - لذلك تعتقد اﻠﻠﭽيو ماريا أنه ليس من باب الأمر المٌسلم به، بل بالأحرى درجة سامية من الثقة أن تؤمن أن نظامها كان ومازال يُكون آلية ممنهجة لا تحتاج إلا إلى إدارة من يد السلطة الكنسية لكى تحيط بالعالم، تلك التى سوف تتكرم مريم بأن تستخدمها كأداة لتتمم عملها الوالدي في النفوس، وتواصل رسالتها بلا إنقطاع فى سحق رأس الحية. “لأَنَّ مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي.” (مر ٣: ٣٥) يا للمعجزة. يا للشرف العظيم! إلى أي مرتبة من المجد يرفعنا يسوع! النساء يطوبن البطن التي حملته والأم التي أنجبته، ولكن ما الذي يمنع أولئك النساء أن يشتركن أيضاً في هذه الأمومة؟ إن الإنجيل يتكلم هنا عن ولادة بطريقة جديدة وعن قرابة جديدة”.
(القديس يوحنا فم الذهب)
تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح