الفصل الثانى عشر
أهداف اللچيو ماريا الخارجية ١. العمل قيد التحقيق لا تهدف اﻠﻠﭽيو ماريا عملاً خارجياً معيناً، بل إن هدفها الرئيسي هو تقديس الأعضاء. ولكي تبلغ هذا الهدف، فإنها تعتمد في المقام الأول على حضورهم الإجتماعات المختلفة الملتئمة في جو عابق بالصلاة، وسائر أفعال التكريس التي هي كنسيج محاك، تقوم عليه جميع المراحل اللاحقة. ولكن بعد ذلك تسعى اﻠﻠﭽيو ماريا لتنمية هذه القداسة في أعضائها بطريقة خاصة، فتُحمّلها طابع الرسالة، وتُشعلها بنشاط شديد بحيث تستطيع الإشعاع. وهذا الإشعاع ليس إستخداماً لقوة متطوّرة، بل (وبنوع من رد الفعل) يصير، عاملاً لا بد منه لتنمية تلك القوة. وفي الواقع، ما من شيء يساعد في كمال الروح الرسولية أكثر من ممارسة العمل الرسولي. لذلك تفرض اﻠﻠﭽيو ماريا على كل عضو، كواجب جوهري له أهميته الرئيسية، أن يقوم كل منهم بعمل إسبوعي نشيط تحدّده له فرقته. ويسير هذا العمل، الذي ينطلق من الإجتماع كفعل طاعة للفرقة التي ينتمي إليها، وبإستثناء بعض الأعمال التي سيأتي ذكرها فيما بعد، تستطيع الفرقة أن توافق على كل عمل نشيط يقوم به أحد الأعضاء، وفاء لشرط القيام بالواجب الإسبوعى. إن هدف اﻠﻠﭽيو ماريا يقتضي أن يوجه نشاط الأعضاء إلى الإحتياجات الحقيقية، ولا سيما أكثرها خطورة. لأن شدة الغيرة التي تجتهد المنظمة أن تضرم نيرانها في الأعضاء، تتطلب غاية رسولية مهمة جديرة بها. فالعمل الرسولي الضئيل له تأثير سيء على تلك الحماسة، فالقلوب التي كانت مستعدة أن تبذل ذاتها في سبيل النفوس، وترد بالحب على محبة المسيح، وتتعب وتضحي بذاتها شكراً له على آلامه وموته، تنتهي إلى الخمول والفتور
“إنني لم أُخلق مرة ثانية بتلك السهولة التي خُلقتُ بها لأول مرة. فلقد قال كلمة فصار كل شيء. ولكن، بينما أبدعني ببساطة وفي لحظة وبكلمة واحدة، فمن أجل إعادة إبداعي، قال أقوالاً كثيرة، وصنع المعجزات، وتألم آلاماً مبرحة
(القديس برنارد) ٢. الهدف الأسمى والأبعد منالاً - الخميرة في الجماعة مهما كان العمل الجاري مهمّاً، فاﻠﻠﭽيو ماريا لا تعده غاية أخيرة ولا رئيسية لرسالة أعضائه. فهذا العمل قد يشغل العضو لساعتين أو ثلاثة أو عدة ساعات في الإسبوع، لكن اﻠﻠﭽيو ماريا تتطلع إلى ما هو أبعد منه، إنها تنظر إلى كل ساعة من ذلك الإسبوع، وكأنها إشعاع من النار الرسولية الملتهبة فى موقدها. إن النظام الذي أشعل هذه النفوس بالحماسة، قد بعث في العالم قوة جبارة. فصارت الروح الرسولية تسود وتهيمن على كل فكرة وقول وفعل، ولا يحد تجلياتها الخارجية زمان ولا مكان. وأقل الأعضاء جرأة وإستعداداً، قد أصبحوا مزودين بقدرة خاصة للتأثير في أخوتهم، بحيث إنهم، أينما كانوا ومن غير أن يشعروا بأنهم يمارسون عملاً رسولياً، يتوصلون إلى التغلب على الخطيئة وعلى عدم اللامبالاة بالدين بقوة تفوق قدراتهم. ذلك لاحظناه بالخبرة العامة. وبالرضا والسرور نفسه الذي يتأمل القائد بهما المراكز الإستراتيجية التي إستولى عليها جنده وتمركزوا بها، هكذا تنظر اﻠﻠﭽيو ماريا إلى كل بيت، ومحل، ومصنع، ومدرسة، ومكتب، وجميع أوساط العمل، بل وأماكن الترفيه أيضاً، التي أتاحت الظروف للعضو الحقيقي أن يتمركز فيها. وحتى الأماكن التي يسيطر عليها الإلحاد والخطيئة فإنه يتم تطويقهم إذا جاز التعبير، ووجود برج داود الجديد، سيقطع الطريق على الشر، ويضطره إلى الإنسحاب. واﻠﻠﭽيو ماريا لن تستسلم أبداً أمام الفساد، وسوف تأسف لما يسببه، وتصلي لتخفيف وطأته، وتجتهد في دفع أذاه، وتحاربه بعزم وثبات وبلا هوادة، ولا شك من أنها ستتغلب عليه وإن طال الزمن
وتبدأ اﻠﻠﭽيو ماريا العمل من خلال جمع أعضائها ليثابروا بفكر واحد على الصلاة مع مليكتهم. ثم ترسلهم إلى مواطن الخطيئة والعذاب ليصنعوا الخير هناك، فتشتعل فيهم رغبة التقدم إلى صنع خير أكبر. وأخيراً تنظر المنظمة إلى سبل الحياة الواسعة وإلى مسالكها الضيقة، لعلها تجد فيها مجالاً لأعمال أكثر بطولة ومجداً. فإدراك ما أنجزته أعداد محدودة من أعضائها، يعكس أن قدرها وقوتها الكامنة يتجاوز الأرقام، كما تؤمن أن نظامها، إذا ما أُحسِنَ توظيفه من قِبل الكنيسة، يقدم وسيلة فعالة وإستثنائية لتطهير العالم من الخطيئة، لذلك ترغب بشدة أن ترى أعضاءها يتكاثرون حتى يصبحوا جيشاً بعددهم كما هم جيش بإسمهم فما بين هؤلاء الأعضاء العاملين، وهؤلاء المساعدين في الخدمة والذين يتم العمل لأجلهم، فإن الشعب بكامله يمكن إحتواءه، ونرتقي به من صعيد الإهمال والرتابة الدينية، إلى مستوى الإخلاص الحماسي والإنتماء الفخور للكنيسة. تأملوا أهمية هذا التحول في المدينة أو القرية، إذ لا يكون الشعب جزءاً من الكنيسة فقط، بل يتحول إلى قوة مُحرِكة، ترسل قوتها مباشرة، أو عن طريق شركة القديسين، إلى أقاصي الأرض، وإلى الأماكن المظلمة فيها. فيا لها من مثالية - شعب برمته قد إنتظم في خدمة الله! وهذا الهدف ليس مثالياً أو نظرياً فقط، بل هو الشىء الأكثر عملية وقابلية للتحقيق في عالمنا اليوم - شريطة ألا نغمض عيوننا ونكتف أيدينا. “حقاً إن العلمانيين هم “أمة مختارة، وكهنوت مقدس”، وهم أيضاً “ملح الأرض ونور العالم”. إن دعوتهم ورسالتهم الخاصة هي أن يعلنوا الإنجيل في حياتهم، وأن يُدخلوه كالخميرة في واقع هذا العالم الذي يعيشون ويعملون فيه. إن القوى الكبرى التي تُشكل العالم - السياسة، وسائل الإعلام؛ العلم؛ التكنولوجيا؛ الثقافة؛ التعليم؛ الصناعة والعمل - هي تحديداً المجالات التي يستطيع فيها العلمانيون، بشكل خاص، ممارسة رسالتهم. فإذا ما كانت هذه القوى تُقاد بواسطة تلاميذ المسيح الحقيقيين، الذين هم في الوقت عينه أكفاء يمتلكون العلم والمهارة، هكذا يتحول العالم من الداخل بقوة المسيح المخلصة” (خطاب البابا الطوباوى يوحنا بولس الثاني في ليميرك، أيرلندا، تشرين الأول (اكتوبر) ١٩٧٩) ٣. لنتحـد معـاً “فَأطلُبوا أَوَّلاً مَلَكوتَه وبِرَّه” (متى٦: ٣٣)، أي القيام بأعمال مباشرة لخدمة النفوس، وهو العمل الذي يشغِل جميع أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا. ومع ذلك يجب ألا يتم إغفال أعمالاً أخرى، جديرة بالإعتبار، أُضيفت لها. فعلى سبيل المثال، إن اﻠﻠﭽيو ماريا لها قيمة إجتماعية تكون ذات منفعة قومية لكل بلد تتواجد فيه، وترتقي بالحياة الروحية للنفوس المقيمة فيها
إن نجاح عمل الآلة الإجتماعية، كأي آلة أخرى، يتطلب تعاون أجزائها بإنسجام وتناغم. ومعنى ذلك أنه على كل فرد مواطن أن يقوم بوظيفته بدقة، وبأقل ما يمكن من الإحتكاك بالآخرين. وإذا لم يقدم كل منهم الخدمة الكاملة الموكلة إليه، تضيع القوى، ويختل التوازن المطلوب وتبتعد التروس المسننة عن بعضها بعضاً. ويستحيل الإصلاح حيث إنه من الصعب جداً أن تُكتشف العلة، ومصدرها. لذلك فإن العلاج يكمن في مضاعفة القوى وتوفير المزيد من المال. إن هذا العلاج يؤذي فكرة الخدمة أو التعاون العفوي، فيكون الإخفاق في تصاعد مستمر. إن للجماعات حيوية كبرى تساعدها على مواصلة العمل وإن إختل فيها نصف أجزائها. إلا أن ذلك لا يحدث بدون ضرر جسيم، حيث يُنتَج في مثل هذا المجتمع كثير من الفقر والشقاء والتعاسة. وقد تُبذل الجهود والأموال لضمان سير الأنظمة، كما كان يجب أن تكون بشكل طبيعى، مصدراً للنشاط والحركة. النتيجة هي: مشاكل، وإضطرابات وأزمات
مَن يستطيع إنكار الأحوال السيئة التي تحدث في عالمنا اليوم، حتى في البلاد التي تديرها أفضل الحكومات؟ فالأنانية هي قاعدة حياة الفرد. والبغض يحول حياة الكثيرين إلى قوة للتدمير، وكل يوم جديد يأتينا برهان جديد على صحة الحقيقة المؤلمة: “إن الناس الذين ينكرون الله أو يخونونه، لا يكونون مخلصين لأي شخص أو أي شيء أقل شأناً من الله، على الأرض أو في السماء.” (بريان أوهجنس) وبما أن الدولة ما هي إلا مجموع لأفراد أحياء، فإلى أى مدى يمكن ان نتوقع أن نصل؟ لا شىء إلا خطر وألم لذواتهم، وماذا تستطيع الأمم أن تقدم للعالم بأسره إلا جزءاً من إضطرابها؟ والآن فلنفرض أن هذا المجتمع تدخله قوة جديدة تتغلغل شيئاً فشيئاً، وتنتقل فيه كالعدوى من شخص إلى آخر، فلا تلبث الأفكار الدالة على التضحية، والحب المتبادل، والتفاني، والمثالية أن تصبح مألوفة ولذيذة للفرد! فيا له من تغيير يحدث! فتُشفى أخطر القروح، وتُعاش الحياة على مستوى أعلى. وماذا يكون إذا قامت أمة كلها لتبنى حياتها على معايير سامية، وتقدم للعالم قدوة شعب بكامله يمارس إيمانه كاملاً، ويحل صعوباته ومعضلاته. ومن يستطيع أن يشك في أن أمة كهذه تصبح نوراً ساطعاً للعالم كله، بحيث تأتي الشعوب وتجلس عند قدميها لتتعلم منها. لا جدال الآن أن اﻠﻠﭽيو ماريا تملك القدرة على أن تدفع العلمانيين إلى الإهتمام بديانتهم إهتماماً حيوياً، وأن تبث في الذين يتأثرون بها مثالية تجعلهم ينسون بطيب خاطر الخصومات والخلافات والمعاكسات، ويمتلئون بمحبة جميع الناس، ويرغبون في العمل من أجلهم. وبما أن جذور هذه المثالية متأصلة في الدين، فهي ليست بعاطفة تتلاشى سريعاً. بل إنها تملأ الفرد بفكرة الخدمة، والرغبة في تحقيقها. وتنمي فيه إمكانيات التضحية وترفعه إلى قمم عالية من البطولة وهي لا تتلاشى أبداً. لماذا؟ إن السبب يكمن في الدافع. والقوة لا بد وأن يكون لها مصدر. إن ﻠﻠﭽيو ماريا دافع قوي في خدمة المجتمع. وهو أن يسوع ومريم كانا مواطنين في الناصرة وقد أحبا مدينتهم وبلدهم بتفان، لأن الإيمان وأرض الآباء بالنسبة للشعب اليهودي يلتحمان وكأنهما شيء واحد. فقد عاش يسوع ومريم حياة العامة في موطنهم على أكمل وجه. كل شخص وكل أمر كان محط إهتمامهما. لذلك فإنه من المستحيل أن ننظر إليهما كأشخاص لا مبالين أو مهملين في أي من الأمور. والعالم اليوم هو بلدهما وكل مكان فيه هو الناصرة بالنسبة لهم. فهما يرتبطان في الجماعة التي نالت سر المعمودية، أكثر من إرتباطهما بأخوتهم بقرابة الدم. وهما يبثان حبهما من خلال الجسد السريّ. وإذا ما وضع أعضاء هذا الجسد أنفسهم في خدمة المكان الذي يعيشون فيه، تحرك يسوع ومريم ليغدقا عليهم بنعمهما الغزيرة ويبعثانها في النفوس كما في المكان المحيط أيضاً. فتتحسن الماديات تحسناً حقيقياً لا يمكن أن يتم الحصول عليه من أي مصدر آخر، وتنحصر المشاكل إن إلتزام المسيحي بالقيام بواجبه في موقعه يُضاف إلى الإنتماء للوطن. وهذه الكلمة تعني أرضاً غير محدّدة، فما هو الإنتماء الحقيقي للوطن؟ فلا يوجد خارطة أو نموذج لها في هذا العالم. لكن يمكن أن نشبهها بالتضحية بالذات والتفاني اللذين ينميان في زمن الحرب. ولكن هذه تنمو بدافع الكراهية أكثر منها بدافع المحبة، وهي موجهة لأغراض الدمار. لهذا من الواجب تقديم نموذج صحيح للإنتماء السلمي للوطن.
إن الخدمة العابقة بالروحانية التي تقدمها اﻠﻠﭽيو ماريا للجماعة وتحث عليها هي الإنتماء الحقيقي للوطن. فلا يتم الإلتزام بهذه الخدمة فقط من منطلق الروحانية، بل أنها هى وكل ما يتعلق بها يجب أن يُستخَدم في سبيل إنماء الروحانية. إن العمليات التي تنتج تقدّماً على الصعيد المادي فقط، تشوّه فكرة الإنتماء الحقيقي للوطن. لقد عبر الكاردينال نيومان بشكل رائع عن جوهر هذه الفكرة، عندما قال إنه لشىء مريع أن نتفكر بالتقدّم المادي الذي لا يرافقه تقدّم أخلاقي، فيجب الإحتفاظ بقدر من التوازن الصحيح بينهما والآن أنظروا وأحكموا يا شعوب العالم! إذا كانت اﻠﻠﭽيو ماريا على هذا النحو، ألا يبدو أنها تقدم للمجتمع كتيبة من فرسان متأهبة للخدمة، بوسعها أن تضم البشر أجمعين في عمل شريف لأجل الله، في خدمة تفــوق بكثير تلك الحروب الأسطورية التي قام بها الملك آرثــر الذي - في أشعار تينيسون الخالدة - “إجتذب فرسان مملكته والممالك الأخرى، الهائمين على وجوههم، وضمّهم إلى منظمة المائدة المستديرة، وجعل منهم فرقة مجيدة، زهرة الرجال، ليصيروا قدوة للعالم الواسع، وباكورة نقية لعصر جديد” ؟ “وهكذا فالكنيسة وهي في الوقت نفسه “جماعة منظورة وشركة روحية” تسافر الرحلة نفسها مع كل الجنس البشرى، وتنال قسطها من مصير العالم الأرضي، فمقدر لها أن تكون خميرة، كما كانت، الروح للمجتمع البشري، فى تجدّدها بالمسيح وتحوّلها إلى أسرة الله
يحضّ المجمع جميع المسيحيين، كمواطنين من كلتا المدينتين، على القيام بمهامهم بإيمان بروح الإنجيل. وأنه ليحيد عن الحقيقة أولئك الذين عرفوا أن ليس ههنا مدينة باقية بل نطلب الآتية، فظنوا بسبب ذلك أنهم يستطيعون إهمال واجباتهم الأرضية، ولم يفطنوا إلى أن الإيمان نفسه يشدّد على القيام بها، وذلك وفقاً للدعوة التي دُعي إليها كل إنسان.” (دستور رعوي حول الكنيسة في عالم اليوم – ٤٠: ٤٣)
“إن الإجابة العملية على هذا الإحتياج والواجب، تم التأكيد عليها في ميثاق مجلس القيادة في حركة أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا التي بدأت في ١٩٦٠ وعُرِفَت أنذاك بالإنتماء الحقيقي للوطن. فمقياس النجاح قد حدّد بالفعل نقاطاً تجاه عدد كبير من إحتمالات التطوّر. ولكن لنركز هنا على ما يجب أن تقدّمه اﻠﻠﭽيو ماريا للنظام الزمني. فليس المعرفة الإستثنائية أو الخبرة، أو المهارات المتميّزة، أو أعداداً كبيرة من العمال، ولكن الديناميكية الروحية هى التي تجعل منها قوة عالمية، قادرة على رفع أي قطاع من شعب الله يمتلك الفهم والحدس الجيّد لتوظيفها. لكنّ المبادرة يجب أن تأتي من اﻠﻠﭽيو ماريا. وفي تجنّبها لماديات العالم، على اﻠﻠﭽيو ماريا أن تتبصر فى هذا العالم على الدوام في ضوء الإعلان السابق. كما وعليها أن تُدرك أن الإنسان يحيا وسط أشياء مادية، وأن خلاصه مرتبط إلى حد كبير بأمور مادية.
(الأب توما أوفلاين Thomas P. O’Flynn C.M.، مرشد روحي سابق لمجلس قيادة اﻠﻠﭽيو ماريا) ٤. المشروع الكبير في سبيل الله هذه الجماعة من الفرسان نحتاجها في ظروف يتعرض فيها الدين لخطر خاص. فإنّ العلمانية والإلحاد، اللذين تعضدهما وسائل الدعاية والإعلان، تنتشر ويتسع إنتشارها وهي تهدّد بإفساد العالم وإغراقه وإذا قارنا اﻠﻠﭽيو ماريا بهذه القوى العارمة، بدا لنا أنها كقطيع صغير. ولكن لا بأس، فهذه المقارنة تزيدنا جرأة. لأن اﻠﻠﭽيو ماريا تتألف من نفوس إتّحدت بالعذراء القديرة، وتحمل فى نفسها مبادىء سامية وتعرف كيف تطبقها بطريقة فعالة، وذاك القدير سوف يصنع أشياء عظيمة لها وبواسطتها. إن أهداف اﻠﻠﭽيو ماريا، وأهداف تلك الجماعات الأخرى التي تنكر “سَيدِّنا ورَبَّنا الوَحيدَ يسوعَ المسيح” (يهو٤) متناقضة تماماً. فاﻠﻠﭽيو ماريا تهدف إلى جلب الله والدين لكل نفس. أما القوى الأخرى فتهدف إلى العكس تماماً. لا يظن أحد أن منهج اﻠﻠﭽيو ماريا قد تصور بتخطيط صريح لمحاربة إمبراطورية الإلحاد هذه. بل جرت الأمور ببساطة. فقد إلتأم فريق صغير حول تمثال العذراء مريم وقال لها: “قودينا”، فبالإتحاد بها، بدأوا زيارة إلى مستشفى ضخمة مليئة بالحزانى والمعذبين والمتألمين بإحدى المدن الكبرى، ليروا إبنها الحبيب في شخص كل واحد منهم. فأدركوا بأنه حاضر أيضاً في كل عضو من البشرية، وأن عليهم الإنضمام إلى عمل مريم الوالدي القائم في خدمتها لإبنها في كل شخص. وهكذا، يداً بيدٍ مع أمهم السماوية، شرعوا في خدمتهم المتواضعة وها هم قد أصبحوا منظمة، وهي ما تزال، منذ ذلك الحين، تُتَمِم في العالم كله أفعال محبة الله في الإنسان، ومحبة الإنسان لأجل الله، وفي كل مكان تُظهِر قدرة المحبة على تحريك القلوب وإكتسابها. وبطريقة مشابهة تعلن الأنظمة العلمانية أيضاً محبتها وخدمتها للإنسان. وتكرز بإنجيل وتعاليم فارغة من الأخوّة. والملايين من البشر تؤمن بهذا الإنجيل. ومن أجلها هجروا ديانة ظنوا أن لا حياة فيها. ومع ذلك فالحالة الحاضرة لا تدعو إلى اليأس فهناك وسيلة لإرجاع أولئك الملايين إلى حظيرة الإيمان، ولتخليص ملايين أخرى لا تُحصى. إن الأمل يكمن في العمل بالمبدأ العظيم الذي يسوس العالم، والذي عبر عنه القديس جان فانييه “خوري آرس” بقوله: “إن العالم هو لمن يحبه حباً أعظم، ويبرهن له هذا الحب العظيم”. لا يمكن للبشر أن يلاحظوا الحب البطولي الصادق لهم النابع من إيمان حقيقي إلا ويتأثرون به. إقنعوهم أن حب الكنيسة لهم هو أعظم من أي حب آخر، فيعودوا إلى الإيمان على الرغم من كل شىء. بل قد يبذلوا حياتهم من أجل هذا الإيمان لا يمكن لمحبة عادية أن تكسب البشر، ولن يُتمم ذلك أيضاً بواسطة كاثوليكية هزيلة لا تكاد تصون كيانها. بل من خلال كاثوليكية تحب المسيح سيدها من كل قلبها، ثم تراه وتحبه في جميع الناس بدون تمييز. ولكن هذا الحب السامي للمسيح يجب أن يُمارَس على صعيد واسع جداً، بحيث يحمل هؤلاء الذين ينظرون نحوها على التسليم بأن ذلك علامة مميّزة للكنيسة، وليس مجرد عمل لبعض الأعضاء الممتازين فى الكنيسة. لذلك يجب أن يظهر هذا الحب بوضوح في حياة كل العلمانيين.
فهل من أمل حقيقي في إشعال القلوب في الكنيسة بهذه الروح السامية؟ أجل، ولكنّ المهمّة جبّارة! ففى الحقيقة لا نهاية أبداً لأبعاد المشكلة، والذين إستولوا على ميدان العمل كثيرون جداً، وفي ذلك ما يمكن أن يُهَبط عزائم القلوب الأكثر شجاعة. لكن مريم هي قلب اﻠﻠﭽيو ماريا، وهذا القلب هو إيمان ومحبّة يفوقا الوصف. إنطلاقاً من هذه الفكرة، تنظر اﻠﻠﭽيو ماريا إلى العالم، ويولد فى نفس الوقت رجاء مفعم بالحماس: “إن العالم هو لمن يحبه حباً أوفر”. ثم تلتفت من جديد إلى الملكة العظيمة وتقول لها كما فى نشأة المنظمة: “قودينا “إن اﻠﻠﭽيو ماريا والقوى المعارضة لها، أي العلمانية والإلحاد، تواجه بعضها بعضاً. هذه القوى، التي تعضدها وتساندها دعاية مستمرة من الصحافة، والتلفاز، والفيديو، حملت معها إلى قلب كل بيت الإجهاض، والطلاق، وإستخدام موانع الحمل، والمخدّرات وكل أشكال التشويه والإنحراف. ولذلك تُرِكَت البساطة والبراءة التي يمتلكها كل طفل حديث الولادة عُرضة لهذه التأثيرات المدمّرة.
إن مقاومة هذه التأثيرات لا يمكن أن تتم بأقل من حراك وتجنيد كامل للشعب الكاثوليكي. ولتحقيق هذا الغرض فإن اﻠﻠﭽيو ماريا تمتلك الآلية المثالية. ولكن تبقى هذه الآلية عديمة الفائدة إذا لم تمتلك قوة محركة كافية. وتكمن هذه القوة في روحانية اﻠﻠﭽيو ماريا، التي هي تقدير حقيقي وإتكال على الروح القدس، وتكريس حقيقى لعروسه مريم العذراء المباركة، يغذيها خبز الحياة، القربان المقدس
وعندما تدخل هاتان القوتان في نزاع، فإن روح اﻠﻠﭽيو ماريا سوف تسود. فأعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا، بحملهم اليومي لصليب معلمهم، يحاربون بفاعلية الهشاشة والتهاون والضعف الذي ينخر مجتمعنا اليوم، وهم في النهاية سينتصرون
(الأب ايدان ماكراث Aedan McGrath S.S.C.)
تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح