الفصل الأربعون
“إذهبوا وإكرزوا بالإنجيل
للخليقة كلها” مر ١٦ : ١٥ ١. وصيته الأخيرة لأقوال الإنسان الأخيرة وقار كبير، حتى وإن قيلت في حالة إضطراب أو ضعف. وفي هذا الصدد كيف يمكننا أن نفكر في ذلك الأمر الأخير الذي أصدره يسوع لرسله: والذي يُسمى مشيئته أو وصيته الأخيرة، فلقد أُعطِيت في لحظة أكثر رهبة من تلك على جبل سيناء – تلك التى تُعتَبر كإتمام لكل تشريعاته الأرضية ومباشرة قبل صعوده إلى السماء؟ لقد كان مُحاطاً بكل جلال الثالوث حين نطق بوصيته الأخيرة قائلاً: “إذهَبوا في العالَمِ كُلِّه، وإَعلِنوا البِشارَةَ إِلى الخَلْقِ أَجمَعين.” مر١٦: ١٥ تلك الكلمات تضع حجر الأساس للدين المسيحي. إذ يجب أن يُوَجّه الإيمان قواه نحو جميع البشر بغيرة لا تنطفىء. ولكن هذا الأمر الجوهري يغيب في بعض الأحيان. فلا يعود هناك طلب للنفوس التي هي داخل الحظيرة أو خارجها. وعدم إتمام وصية الرب قبل الصعود يُكلِف ثمناً باهظاً - وهذا الثمن هو فقدان النعمة، وتقهقر الإيمان، وإنطفاء لهيبه. أنظروا حولكم لتروا كم من الأماكن قد دفعت ذلك الثمن الباهظ عندما قال يسوع “كل خليقة” فقد كان يقصد جميع البشر. وكان أمام عينيه كل إنسان بمفرده - “لأنه من أجل هذا الإنسان تكلل بالشوك وتحمل عذابات الصليب، والمسامير، والحربة والنظرات المهينة، والأحزان التي لا تُعَد، والأوجاع التي لا تُقاس، وحسرات النزاع المضني، والموت على الجلجثة.” كل هذا يجب أن لا يذهب سدى. وهذا الدم الثمين يجب أن يُحمَل اليوم إلى كل مَن سُفِكَ لأجلهم بسخاء. تلك الرسالة المسيحية التي تدفعنا بقوة لنمضي في أثر جميع البشر إلى أي مكان: إلى أحقر الناس، وإلى أعظمهم شأناً، إلى القريبين والبعيدين، إلى الناس العاديين منهم وإلى أكثرهم شراً، إلى أحقر الأكواخ، إلى جميع الكائنات المبتلاه، إلى الخلائق الشيطانية، إلى الأماكن الموحشة، إلى المصابين بالجذام، إلى المنسيين، إلى ضحايا السُكْر والرذيلة، إلى الأشخاص الخطرين، إلى المقيمين في الكهوف والخيام، إلى الذين هم في ساحة القتال، إلى المختبئين، إلى الأماكن التي يتجنبها الناس، إلى الأوكار الدنيئة، إلى الأصقاع الجليدية، إلى الصحراء المحرقة، إلى الأدغال الكثيفة، إلى المستنقعات القذرة، إلى الأماكن التي لم يأت ذكرها على الخرائط، إلى القبائل المجهولة، إلى المجهول المطلق، بحثاً عما إذا كان هنالك أي إنسان حي، ولنذهب إلى أقاصي الأرض حيث يُقيم قوس قزح! فلا يخرج إنسان من دائرة بحثنا لكي لا ينظر إلينا يسوع الوديع نظرة عابسة.
وإذا صح التعبير، فإن هذه الوصية الأخيرة يجب أن تستَحوِذ على اﻠﻠﭽيو ماريا. فيكون المبدأ الأساسي للمنظمة هو السعي الدائم بحثاً عن إيجاد أي من أنواع الإتصال بكل نفس وفي أي مكان. فإذا ما تم هذا الإتصال، وهو أمر ممكن، وإذا أُنشأت فرقة مريمية في كل مكان، وهذا أمر ممكن، فإن وصية الرب سوف تسير نحو التحقيق الكامل يجب الإنتباه إلى أن الرب لم يأمر بأن يهتدى كل إنسان، ولكنه أمر فقط بالإتصال بالخلائق كلها. لأن إهتداء الخليقة قد يتجاوز الإمكانيات البشرية، بينما الإقتراب منها فهو أمر غير مستحيل. وإذا تحقق هذا الإتصال العام الشامل للجميع دون أي تمييز، فماذا يحدث بعده؟ سوف يكون وقت الحصاد. فالرب لا يأمر بأن تُبذَل مساع لا يكون لها معنى، أو لا فائدة لها. فعندما يتحقق هذا الإتصال الشامل بالجميع، فعلى الأقل يكون قد تم طاعة الأمر الإلهي، وهذا هو المهم. ومن الممكن أن يحدث فيما بعد حلول جديد لألسنة نار العنصرة
كثيرون من الفَعَلَة المخلصين، عندما يذهبون في تعبهم إلى حدود قواهم البشرية، يظنون أنهم قد قاموا بكل ما يتوقعه الرب منهم. للأسف، إن الجهد الذي يبذلونه منفردين لن يذهب بهم بعيداً، ولن يأتيهم بفائدة تُذكَر، كما أن الرب لن يكون مكتفياً بالجهاد المنفرد؛ كما أنه أيضاً لن ينجز عملاً لم يحاولوا القيام به. لأن العمل الديني يجب أن يُتَمم كما يُتَمم أي عمل آخر يتخطى حدود القوى الفردية، أي بحشد وتنظيم العناصر اللازمة للقيام به إن مبدأ الحشد هذا، وهذه المساعي لإشراك الآخرين في جهودنا الخاصة، عنصر جوهري من عناصر الواجب المشترك. فليس ذلك العمل وقفاً على الأعضاء الأرفع مكانة في الكنيسة، لا على الكهنة وحدهم، بل هو عمل كل عضو من أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا وكل كاثوليكي. وعندما ينبع العمل الرسولي من قلب كل مؤمن، فإن تجميع هذه القلوب سيتحول إلى فيضان شامل “ستلاحظون أن مقدرتكم على العمل ستتناسب دائماً مع غيرتكم على الإيمان ومع نموكم فيه. لأن الهبات السماوية ليست كالهبات الأرضية. فنوال العطايا السماوية لا يحصره قياس ولا تحده حدود. إن ينبوع النعمة الإلهية دائم الفيضان، ولا يخضع لتقنين معين، وليست له قنوات تضبط مياهه المحيية. فلنُحَرِك فينا تعطشاً شديداً إلى هذه المياه، ولنفتح قلوبنا لترتوي منها، فبقدر ما تجري تلك المياه فينا، سوف يؤهلنا إيماننا لقبول المزيد
(القديس قبريانُس - أسقف قرطاجة) ٢. على اﻠﻠﭽيو ماريا أن تتوجه إلى كل نفس بمفردها “إن الحشود المصطفة أمام المذبح فى القداسات الصباحية، يجب أن لا تَخفي عن أنظارنا وجود النقيض المروع: أولاً، هناك أُسر بأكملها قد ساءت أحوالها، وأحياء كاملة قد فسَدت بشكل مقيت، فتربعت الرذيلة وتوسعت لما حولها. ثانياً، يجب أن نتذكر أنه على الرغم من أن الخطيئة في هذه الأماكن قد تفاقمت وصارت مقيتة بشكل مضاعَف، فهى ليست أقل بشاعة من أماكن تنتشر فيها أكثر. ثالثاً، حتى وإن كنا نرى هناك الثمرة الناضجة - ثمرة الشر الزائفة - والجذور ترقد في تراب كل زاوية في البلد، وإن كان الإستخفاف بالعمل ينتشر، أو هناك خطيئة هينة تتحايل لتبرز على السطح فهناك تمهيد لرجاسات، فحيثما كان العامل فهناك عمل متاح. فإن لم يعد هناك شىء، قولوا فقط بعض كلمات تعزية لشيخ ملقى في المستشفى، أو علموا الأطفال أن يرسموا إشارة الصليب، أو أن يجيبوا ولو متلعثمين عن السؤال التالي: “من خلق العالم؟” فإنكم بعملكم البسيط هذا تُوجهون، دون أن تُدركِوا، ضربة قاسية لآلة الشر المتشابكة. رابعاً، هذه دعوة أمل مُشجِعة لكل عامل رسولي مُعَرّض لفقدان العزيمة في حضور الشر حتى هذا العصيان والشرور المسيطرة التي وصفناها ليست عصيّة عن العلاج. يوجد علاج واحد فقط يكمن فى تطبيق أسلوب الكنيسة الديني بكثافة وصبر تحت قشرة الفساد التي نرتعش لرؤية ملامحها، يكمن إيمان يتطلع، في أحسن الأوقات، إلى الخير. فإن كان هناك من يقنِع أو يُشجِع أو يتكلم عما هو أفضل، ويُحيي الأمل بأن كل شيء يمكن إصلاحه، فإن أكثر ضحايا الشر إنحطاطاً يمكن تقريبه من الكاهن ومن الأسرار. ومتى قُبِلت الأسرار، يحدث تجدد لا يمكن أن يضمحل. بل كثيراً ما تتجلى القدرة العظيمة وهى خارجة من يسوع المسيح بواسطة أسراره، وتتركنا منذهلين لنجد معجزة تُغيّر الحياة كتجديدٍ مصغرٍ، لمعجزة إهتداء أغسطينوس أو مريم المجدلية
وعند أشخاص آخرين يكون الشفاء أقل وقعاً لأن إندفاع العادات الشريرة والتأثرات القديمة ستكون صعبة المقاومة. سيكون هناك سقوط ثم نهوض من جديد. وقد لا يُصبح هؤلاء في عداد مَن يُدعون مواطنين صالحين، ولكن قدراً وافياً من النعمة الفائقة الطبيعة ستجد مكاناً في حياتهم، فتوصلهم في النهاية إلى بر الأمان عندها تكون الغاية الكبرى قد تحققت في الواقع، لن يعرف أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا الذين يملكون إيماناً بسيطاً وجريئاً، سوى إخفاق قليل، مهما كانت الأماكن التي يعملون فيها مظلمة وشريرة. إن القاعدة مختصرة وهي: “إنشروا سلطان الأسرار والعبادات المألوفة فتضمحل الخطيئة أمامكم. إصنعوا الخير في كل مكان فيرتفع الجميع معكم، وهذا يكفيكم أن تفتحوا ثغرة في جبهة العدو، في أي نقطة منها. إجعلوا أسلحتكم مناسبة للحاجة الراهنة. ست عائلات تسكن في منزل واحد وتتخلف عن حضور القداس وقبول الأسرار، وتُقاوم كل محاولة إقناع. من المحتمل أن يكون بإمكانكم أن تقنعوا إحداها بفعل شيء لا يتطلب إلا قدراً صغيراً من التعاون. كأن تقبل تلك العائلة بتنصيب القلب الأقدس في بيتها وبهذا تكونون قد ربحتم الجولة. سوف ترتفع تلك العائلة أكثر فيرتفع معها الآخرون. وفي النهاية سترون النفوس التي كانت تجر بعضها بعضاً إلى الشر بأمثالها الرديئة، قد صارت تهدي بعضها بعضاً إلى الخير.” (الأب ميشيل كريدون Michael Creedon، المرشد الروحي الأول لمجلس القيادة العامة ﻠﻠﭽيو ماريا) “إن هذا اللص قد سرق الفردوس! فإن أحداً لم يسبقه إلى قبول مثل هذا الوعد، لا إبراهيم، ولا إسحق، ولا يعقوب، ولا موسى، ولا الأنبياء، ولا الرسل. هذا اللص سبق الجميع! ولكن إيمانه أيضاً قد فاق إيمانهم! فقد رأى يسوع يتعذب، وعبده كما لو كان في المجد. رآه مسمراً على الصليب وتوسل إليه كما لو كان على عرشه. رآه محكوماً عليه ومع ذلك طلب منه معروفاً كما يُطلب من مَلك. فيا لك من لص عجيب! لقد رأيت إنساناً مصلوباً فأعلنته إلهاً
(القديس يوحنا فم الذهب) ٣. العلاقة الخاصة مع كنائسنا الشقيقة ذات التقليد الأرثوذكسى إن العمل الخاص بحمل رسالة يسوع المسيح لكل إنسان، الذى بحسب كلمات البابا بولس السادس هو “وظيفة جوهرية للكنيسة” (التبشير في العالم العصري، البابا بولس السادس، ١٩٧٥ - ۱٤)، هو وثيق الصلة بإلتزام عظيم آخر ألا وهو إعادة الإلتئام والوحدة بين المسيحيين. نحن هنا نسترجع صلاة ربنا فى العشاء الأخير. “فَلْيكونوا بِأَجمَعِهم واحِداً: كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك فَلْيكونوا هُم أَيضاً فينا لِيُؤمِنَ العالَمُ بِأَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني.” يو۱٧: ۲۱
عقب المجمع الفاتيكانى الثانى (۱۹٦۲-۱۹٦٥) صارت الوحدة المسيحية أحد الأولويات الكبرى للكنيسة الكاثوليكية فى تلك الأوقات، حيث أوضح المجمع ذاته “إن الإنقسام بين المسيحيين يتعارض علناً مع مشيئة السيد المسيح، ويصدم العالم ويضر بالواجب الأكثر قداسة ألا وهو التبشير بالإنجيل لكل خليقة”. (قرار حول الحركة المسكونية: ۱) فى سياق ما سبق، فالإقتباس التالى من الرسالة الرسولية للبابا الطوباوى يوحنا بولس الثانى “نور الشرق” التى كُتِبَت للمساعدة على إستعادة الوحدة مع كل المسيحيين فى الشرق هى على جانب عظيم من الأهمية “حيث أننا نؤمن بالحقيقة أن التقليد المبجل والعريق للكنائس الشرقية هو جزء لا يتجزأ من ميراث كنيسة المسيح، فالحاجة الأولى للكاثوليك أن يصيروا متآلفين مع هذا التقليد، بحيث يتغذوا به ويشجعوا عملية الوحدة بأفضل صورة ممكنة لكل منهم.
إن إخوتنا وأخواتنا الكاثوليك فى الشرق واعون تماماً لكونهم الحاملين الأحياء لهذا التقليد، سوياً مع إخوتنا وأخواتنا الأرثوذكس. يجب أيضاً على أعضاء الكنيسة الكاثوليكية ذات التقليد اللاتينى أن يكونوا على دراية تامة بذلك الكنز، فيشاركوا البابا فى الشعور بتوق عميق إلى إستعادة كمال تجلى الصفة الجامعة للكنيسة وكذلك للعالم، لا يُعبر عنها تقليد واحد ولا حتى مجتمع واحد يعارض الآخر؛ بل أن ينعم علينا جميعاً بالتمتع الكامل بالميراث الواحد الغير منقسم الذى أعلنته السماء للكنيسة الجامعة، ذاك المحفوظ وينمو فى حياة الكنائس فى الشرق كما هو فى الغرب. رقم۱
بالإضافة إلى ذلك يُضيف الأب الأقدس عن الكنائس الأرثوذكسية فيقول
“إن إرتباطاً وثيقاً يربطنا بهم بالفعل. فكل شىء تقريباً مشترك لدينا؛ وفوق الجميع، لدينا توق حقيقى مشترك للوحدة. رقم ٣ تلك الكنائس الأرثوذكسية هى بالحقيقة كنائس شقيقة، فيجب علينا أن ندعم بكل صورة ممكنة إعادة الإلتئام والوحدة بيننا بحسب فكر المسيح والمحافظة على المبادىء التوجيهية لوثيقة المجمع الفاتيكانى الثانى “قرار حول الحركة المسكونية
فى الأجزاء التالية من هذا الفصل، ما يتم الإشارة إليه بإهتداء هؤلاء الغير كاثوليك لا يسرى على إخوتنا وأخواتنا من الكنائس الأرثوذكسية ٤. السعي لهداية النفوس إلى الكنيسة أعلن البابا بيوس الحادي عشر بإحتفاء “ليس للكنيسة من مبرر للوجود سوى نشر ملكوت المسيح في الأرض كلها، بهدف إشراك جميع الناس في عمل فدائه الخلاصي.” وعليه، كم هو مُحزِن أن يعيش الكاثوليك بين جماهير لا تنتمي إلى الكنيسة، ونادراً ما يبذلون جهداً، أو لا يبذلون على الإطلاق، لإكتسابهم إليها! وينشأ ذلك أحياناً من أن مسألة الإهتمام برعاية أولئك الذين هم داخل الحظيرة تكون ثقيلة الوطأة، وبذلك يغيب عن النظر مَن هم خارج هذه الحظيرة كجزء من المشكلة ذاتها. وهل سيتعجّب المرء في النهاية، إذا لم يتم الإحتفاظ بالذين هم في الداخل، ولم يتم جلب الذين هم في الخارج إلى الكنيسة؟
يجب أن لا نُخطىء في هذا المجال. فيجب أن يُعرَض الإيمان على كل شخص خارج الكنيسة. فلا بد من التغلب على الحياء والإحترام الإنساني وشتى أنواع المصاعب من خلال الشوق الشديد إلى أن نتقاسم عطية الإيمان مع أولئك الذين لا يملكونها. فبشارة الإنجيل يجب أن تُحمَل إلى كل خليقة. والجهود التي تًبذل في هذا السبيل يجب أن تشبه، جهود أناس مشتعلين بالغيرة، حسب رأي القديس فرنسيس كسفاريوس Francis Xavier. بينما آخرين ينصحون بلزوم الفطنة. وهذا صحيح، حيث أن أشياء كثيرة تعتمد على فضيلة الفطنة إذا ما تم ممارستها ضمن حدود مجالها الخاص، وهي أن تصون النشاط الضروري لا أن تُعيقه. إن دور الفطنة الحقيقي في أي نظام هو دور الكوابح، في حين أننا نسند إليها، بالخطأ، دور المحرك. ونتعجب بعد ذلك من كسلها أو تراخيها. هناك حاجة إلى هؤلاء الأشخاص المشتعلين بالغيرة، الذين لا يفكرون إنطلاقاً من الحرص الأنانى ويتجاوزون حد الخوف، ولا يقعون في الخطأ الذي أسماه البابا ليون الثامن بالتجاوزات الجنائية: التهور والتهاون، وما يُسمى خطأ بالحيطة أو الفطنة. فكثير من النفوس جرفها تيار الزمان السريع. فالجهود المؤجلة يمكنها أن تجتمع على نفوس أخرى لكنها لن تُخلِص تلك النفوس الأولى، لأن هوة الأبدية تكون قد إبتلعتهم “إن كثرة ترديد أن الشعب ليس مستعداً لقبول بشارة الإنجيل، تؤول بالمرء أن يصبح غير مستعد لحمل تلك البشارة إليهم”
(الكاردينال ليون جوزيف سواننس L. J. Suenens) إن الناس خارج الكنيسة يتقاذفهم بحر من الشك، وفيه يشتاق قلبهم إلى الراحة، ولكنهم بحاجة لأن يقتنعوا بأن في الكنيسة الإيمان والسكينة حقاً. وأول خطوة لإقناعهم يجب أن تكون في الإقتراب منهم. إذ كيف يمكنهم أن يفهموا الحقيقة إذا لم يُعرِفَهم أحداً بها؟ (رسل ٨: ٣١) وكيف يمكنهم أن يتخلصوا من سوء فهمهم العظيم إذا كان الكاثوليك يحيطون هذا الموضوع بصمت رهيب؟ وكيف يمكن لمعارضى الكنيسة وهم يشاهدون برود الكاثوليك الخارجي أن يستنتجوا حرارة الإيمان الذى يقبع بالداخل؟ أليس لهم العذر إن حَسبوا أن الإيمان الكاثوليكي، الذي نادراً ما يُبدي شيئاً من الحماسة، لا يكاد يختلف على الإطلاق عن إقرارهم بعدم الإيمان؟ يميل بعضهم إلى الظن أنهم قاموا بما يكفى إن نشروا الفكر الكاثوليكي وتم التعريف به بواسطة وسائل الإعلام، أو الخُطَب التي تُلقى في الإجتماعات العامة. في واقع الأمر، إن الإقتراب من النفوس يضعف بقدر ما يُفقَد الإتصال الشخصي. فلو كانت هداية النفوس تتوقف على الوصول إلى الجماهير بالوسائل المذكورة أعلاه، لكان عصر التكنولوجيا هذا هو عصر الإهتداءات الواسعة المدى. لكن بعكس ذلك، توجد صعوبة حتى في صيانة الحظيرة الكاثوليكية نفسها لا يكون تأثير الإقتراب من النفوس فعالاً حقاً ما لم يكن الإتصال فردياً وحميماً. فوسائل الإعلام وغيرها، يمكنها أن تلعب دور التنبيه أو أن تُسهِم كجزء داعم في مشروع يرمي إلى جلب “الخراف الأخرى” إلى الراعي الصالح، ولكن محور هذا المشروع يجب أن يكون الإنجذاب من فرد لفرد آخر. يقول الطوباوى فريدريك أوزنام Frederick Ozanam إن القوانين التي تحكم العالم الروحي تُظهر أن جاذبية أحد النفوس مطلوبة لرفع نفس أخرى. وبعبارة أخرى يجب أن تفعل شريعة المحبة فعلها، لأن العطية بدون مانحها تكون بلا قيمة. ولكن الفرد الكاثوليكي لا يسلك فى كثير من الأحيان إلا سلوك المغلوب على أمره. فهو قد يعتقد أن الذين هم خارج الكنيسة قد تعمقت جذورهم بشدة فى الأحكام المسبقة والجهل بما لا يُسمح بتغييرهم. فبالتسليم أن الأحكام المسبقة التي تُطلق على الكنيسة كثيرة وتقليدية، تكاد تكون مولودة مع أصحابها وتزيدها التربية رسوخاً. فما هي الوسائل التي تتوفر للكاثوليكي لمواجهة مثل هذا الموقف؟ عليه أن لا يخاف. فإن له من تعاليم الكنيسة، مهما فُسرت ببساطة، سيفاً برّاقاً قد وُصِفت فاعليته أحسن وصف في الكلمات النبيلة للكاردينال الطوباوى نيومن: “إني أحمل في ذاتي شعوراً قوياً بقدرة الحقيقة على الإنتصار. إن لها بركة من الله حالّة عليها. والشيطان نفسه، وإن كان يقوى على تأخير هيمنتها، إلا أنه لا يقوى على إعاقة إنتصارها
وعلى الكاثوليكي أن يتذكر أيضاً مبدأ آخر ولا يخلّ به وهو أن: “الحقيقة لا تغضب عندما تُحارب الضلال. ولكن الضلال لا يكون أبداً هادئاً في محاربته للحقيقة.” (دي ميستر De Maistre) وكما رددنا مراراً في صفحات هذا الكتاب، فإن الإقتراب من الذين نريد أن نكسبهم يجب أن يكون على مثال إقتراب الراعي الإلهي نفسه في بحثه عنهم. فلا يجوز أن يكون في موقفنا تشدد أو تعجرف. بل يجب أن تنبض كل كلمة بالتواضع والمودة والإخلاص. والأفعال كالأقوال يجب أن تُبيّن أمراً جوهرياً، وهو أنها مبنيّة على إيمان حقيقي. وبذلك فمن النادر أن يتم الإستياء منها بل غالباً ما تترك تأثيراً عميقاً، فتنضج في نسبة عالية من الحالات وتقود إلى الإهتداء
قال رئيس أساقفة برمنجهام السابق، الدكتور وليامز: “يجب أن نتذكر دائماً أن الدين يُلمَس ولا يُدرَس. هو شعلة تنتقل مشتعلة من شخص لآخر. وهي تنتشر بالحب فقط وليس بأي شيء آخر. ونأخذها فقط من أولئك الذين نعتقد بأنهم أصدقاء لنا. أما الذين نعتبرهم معادين لنا، أو غير مبالين بنا، فإنهم لا يستطيعون أن يحملوا الدين إلينا فإذا كان الإتصال الشخصي أمراً ضرورياً، فلا يستطيع عامل واحد أن يُلاحق حالات عديدة. ولذلك لا بد من فَعَلَة كثيرون للحصول على إهتداءات كثيرة. لذلك يجب أن يتضاعف عدد أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا
أياً كانت الطريقة المتبعة فيجب الإنتباه إلى ما يلي
(أ.( ينبغي أن لا يقوم عضو اﻠﻠﭽيو ماريا بالعمل الدراسي من أجل إثارة الجدل والمناقشة، بل ليُصبِح قادراً على مساعدة أولئك الذين يستفسرون عن الحقيقة بإخلاص
(ب.( يجب البحث عن المُهتَدين والإهتمام بهم للتأكد من مساندة الأصدقاء الكاثوليك لهم، أو لضمهم إلى صفوف اﻠﻠﭽيو ماريا إذا كان ذلك مناسباً. فلا أحد يكون أكثر منهم مؤهلاً لتذليل صعوبات إخوتهم الذين كانوا يشاركونهم المُعتَقَد ذاته
(ج.( على ضوء اللوائح التي يكون وضعها أهل الإختصاص في التعليم، يجب ملاحقة الأشخاص الذين شرعوا في تلقي دروس التعليم المسيحي ولم يواظبوا عليها. فإن الخبرة تُبيّن أن التخلف عن متابعة الدرس لا يأتي من نقص في رغبتهم في إعتناق الكاثوليكية، بل لأسباب خارجة عن إرادتهم تَحُول دون حضورهم للدروس، فالخجل والتأجيل يمنعانهم من المواصلة
(د.( تعتبر مناسبات الإتصال الفعال مع غير الكاثوليك وفيرة إذا سلك أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا تجاههم سلوكاً مسيحياً طبيعياً. فالكاثوليك الذين يُلاقون الصعوبات، أو تنتابهم الأحزان، أو تعترضهم المتاعب من أي نوع كانت، ينصحهم عضو اﻠﻠﭽيو ماريا بالصلاة، أو يقنعهم بقراءة شيء يساعدهم. وقد يكلّمهم عن محبة الله وعن أمومة مريم، ليعزيهم ويرفع معنوياتهم. وعلى هذا النحو أيضاً يمكن إستغلال أوقات المحنة التي يمر بها غير الكاثوليك، إستغلالاً فعالاً. ولكنها في الواقع، لا تُستَغَل. فموضوع الدين أمر محظور. ويُكتَفي بتقديم العواطف الدنيوية التي لا تُعزّي، ولا تُظهِر الإيمان، ولا تُحقِق شيئاً. فليستفِد أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا من تلك الفرص للإقتراب من النفوس. لأن في مثل تلك الأوقات تسقط الحواجز العادية، وتُقبل الكلمات الروحية بإمتنان، وقد تُثمر ثمراً طيباً
(ﻫ) لقد نظمت في أماكن لا تحصى، رياضات روحية لغير الكاثوليك مدة يوم واحد. وعادة يشمل البرنامج المُعَد لمثل هذه الرياضات: القداس الإلهي، وثلاث محاضرات، وجلسة لطرح الأسئلة، ووجبة غذاء، ووقت الشاي، ثم بركة القربان الأقدس. وأحياناً يُعرض فيلم مع تعليق شفهي عليه. وإذا كان ممكناً، إقامة هذه الرياضة في أحد البيوت الكنسية، فذلك يضمن وجود جو ممتاز، ويُبدد كثيراً من سوء التفاهم أو الأحكام المسبقة أما الطريقة المتبعة لإقامة الرياضة فتقوم على تحديد موعد لها، ثم تُطبع بطاقات الدعوة التي تحتوي على الجانب الآخر برنامج الرياضة. ومن خلال أعضاء اﻠﻠﭽيو ماريا في المنطقة، ومَن يشاء مساعدتهم، يقومون بتوزيع هذه البطاقات على غير الكاثوليك، وشرح فكرة الرياضة الروحية لهم. ولحسن إستخدام هذه البطاقات يجب مراعاة البُعد النفسى المُلازِم لهذا الأمر؛ فلا يجوز، في أي حال من الأحوال، توزيعها بإستخفاف كما لو كانت للدعاية. بل يجب أن يُحفَظ سجل بأسماء الذين وُزِعَت البطاقات لهم، وأن يكون هناك مراجعة لاحقة لما تم توزيعه، ويجب أن لا تُعْطى الدعوات إلا للأشخاص الذين يوجد رجاء فى حضورهم لهذه الرياضة فإن طلب عضو اﻠﻠﭽيو ماريا لبطاقة دعوة، يعني قبوله مهمة البحث عن شخص يكون مستعداً للإشتراك في الرياضة. وحتى يُحقق تلك الغاية، فالبطاقة التي بقيت في حوزته تظل تتهمه، فهي بمقام تذكير
تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح