الأب جوزيف ماري
 ودعت مطرانية الاقباط الكاثوليك بأسيوط بعد ظهر الأحد 7 فبراير 2016م الأب جوزيف ماري عن عمر يناهز الواحد وتسعين عامًا، بعد فترة مرض قصيرة، كان يعاني من نزيف بدوالي القدمين، وودع فيها على مدى الشهرين الماضيين أبناءه وأحباءه، واشتاق خلالها أن يغادر أرضنا إلى الملكوت
الأب جوزيف ماري البولندي المولد المصري الجنسية، الذي خدم إرساليته نذيرًا بيد والدته القديسة العذراء مريم فتى في الرابعة عشر من عمره، كان يحلو له أن يردد "من وضع يده في يد مريم لا يهلك ابدًا"، خدم بين المصريين بكل فئاتهم وطوائفهم، ربحت وزنته وأثمرت على مدى مايقرب من 60 عامًا زاهدًا، بسيطًا، انتشل الكثيرين من الضياع، خدم القربان المقدس صباح كل يوم مع رهبنة الأم تريزا بأسيوط،
ثم يجلس في منزله البسيط يتلقى المكالمات التليفونية، ويقضي خلوته الصباحية، ثم يستقبل المتألمين والمحتاجين، يجلس إليه الجميع من الأساقفة والمعلمين والرهبان وأساتذة الجامعة والأطباء المحتاجين للصلاة والمشورة، ويغلق بابه لينام مبكرًا.
خدم إرساليته أيضا حيث قام بزيارة كل القرى المصرية وربوعها، والدول العربية خلال سني خدمته الممتدة . حازت معاهد التربية الدينية الكاثوليكية كل شاغله واهتماماته على مدى 60 عاما ... نال استحسان الاساتذة العمالقة بجامعة القاهرة أمثال مصطفى مشرفة ،طه حسين، سهير القلماوي ، أحب مصر وصعيدها، ورحب بأن يدفن في ثراها. ترأس طقس صلاة الجناز حيث ظل جثمانه مسجى ليودعه أبناءه بمطرانية الاقباط الكاثوليك بشارع النيل بأسيوط نيافة الانبا كيرلس وليم مطران أسيوط والأب مرقس وكيل المطرانية، والأباء الكهنة، والعديد من الأباء الإيبارشيين، والرهبان والراهبات من الرهبانيات الكاثوليكية، وشعب المطرانية. وشارك بتقديم كلمة العزاء للمطرانية وشعبها القس باقي صدقة راعي الكنيسة الإنجيلية الأولى بأسيوط والذي قال في كلمته (نحن نشترك اليوم معا في تتويج الأب جوزيف ماري والذي سعدت بزمالته سنين متواصلة، كان بالنسبة لي ولكل الزملاء في حقل الخدمة التي اشتركنا فيها معًا، أبًا موقرًا مثاليًا، واليوم تحققت مواعيد الكلمة المقدسة التي قالها الرب، "حيث أكون أنا يكون خادمي" لذلك فإن وداع الأب جوزيف ماري وداعًا جديرًا بالتقدير وإكرام الله. نشأته ولد ” جوزيف مارى جرزيسيك ” في 16 يوليو 1925م بمدينة تشنتوجوفا فى بولندا، والتي تتميز بمزار مريمي شهير بدأ فيه ذلك الصبي حياته الروحية، حيث نشأ في أسرة مسيحية، وتأثر بالمسبحة الوردية التي كان يصغي لوالديه وهم يصلونها بإستمرار، كانت ” أمه القديسه ” -علي حد تعبيره- تأمل بأن يصير ابنها مرسلاً في إفريقيا، وكان لها ما تمنت حيث إلتحق وهو صغيرًا بأخوية المدارس الكاثوليكية ”الفرير” حيث حصل على تعليمه الأبتدائي والثانوي. ثم بعث إلى دراسة الأدب الفرنسى فى باريس، وحصل على ليسانس الآداب فى اللغة الفرنسية. وعلى مدى سنوات الدراسة تشرب الشاب جوزيف مارى روحانية رهبنة الفرير فى الاهتمام بالتعليم وتثقيف النشئ، وبعد اتمام مرحلة الدراسة بدأ أولى محطاته على طريق الرسالة. في مصر أُرسل الأخ جوزيف إلى الأسكندرية ليقوم بتدريس اللغة الفرنسية في كلية سان مارك عام 1948م، وأُعجب باللغه العربية وحاول تعلمها فكان يحفظ كل يوم مئه كلمة من صديق له يدرس اللغه العربية في نفس المكان، فإلتحق بجامعة القاهرة عام 1954م ليدرس اللغة العربية والأدب العربي مع عمالقه الأدب العربي حيث كان صديقًا لعميد الأدب العربي طه حسين، سهير القلماوي، وشوقي ضيف، ثم تولي إدارة مدرسة القديس يوسف بالخرنفش حتي منتصف الستينيات.
ولحبه الشديد لمصر تقدم بطلب للحصول علي الجنسية المصري وحصل عليها في عهد الرئيس جمال عبد الناصر؛ وبذلك يصبح أول مرسل كاثوليكي يحصل علي الجنسية المصرية. جوزيف ماري في أسيوط زار الأخ جوزيف ماري إيبارشية أسيوط مع رئيس رهبنة الفرير عام 1951م وإلتقي بمطران الإيبارشية حين ذاك الأنبا ألكسندروس إسكندر، وزار 19 رعية من رعايا الإيبارشية وتأثر بتلك الرعايا، وقرر أن تكون تلك البلاد هي مكان لرسالته، حيث رأي في شبابها التعطش للتثقيف الديني، ومن هنا راوده حلم إنشاء معهد للتربية الدينية؛ ليعد من خلاله أجيال من مدرسين التربية الدينية المسيحية بالمدارس والكنائس، وشاركه نفس الحلم الأنبا ألكسندروس إسكندر، فقام بانشاء المعهد وتم اختيار الأخ جوزيف ليكون مديرًا له، وتم الافتتاح الرسمي فى 16 أكتوبر 1966م برئاسة وحضور طيب الذكر غبطة البطريرك الأنبا إسطفانوس الأول. وظل مديرًا له لمدة أربعين عامًا، إلى جانب تدريسه لمادة الكتاب المقدس ”الأنبياء” لطلاب الفرقة الثالثة، ولم يكتفي بذلك ولكن قام بخدمة التعليم المدني حيث قام بتدريس مادة اللغة الفرنسية بمدارس السلام الإنجيلية بأسيوط منذ عام 1967م حتى خروجه إلى المعاش. وكان التدريس فرصة لأن يتواصل الأب جوزيف مارى مع أبناء الصعيد؛ حيث كان يتوافد إلى المدرسة طلاب من بنى سويف شمالاً حتى أسوان جنوبًا . وكان كثيرًا ما يتجول في شوارع أسيوط بدراجته القديمة ويعرفه ويعشقه غالبيه شعب أسيوط. ومازالت عبارته الخالدة لطلابه ”إننى لا أفرق بين الخدمة على المذبح والتدريس فى الفصل” تتناقلها الأجيال. الأب جوزيف ماري المرشد والمعلم كانت حياته الرسولية النشيطة والمؤثرة تتطلب أن يصبح كاهنًا، وبالفعل تقدم الأخ جوزيف مارى بطلبه إلى المجمع العام لرهبنة الفرير، ولما كانت روحانية الرهبنة لا تسمح بذلك؛ نال الأب جوزيف مارى سر الدرجة الكهنوتية فى 20 أبريل 1974م عن يد مطران اللاتين أمان هوبير ببازيليك مصر الجديدة فى حضور عدد كبير من الأساقفة الأقباط، والكهنة، والراهبات، وجمع من أحباء الأب جوزيف. وعقب سيامته الكهنوتية أسس الأب جوزيف مارى، والأب ميشيل لوبورديه جماعة ”البرادو” وهى جماعة رهبانية تتكون من كهنة إيبارشيين، وعلمانيين مكرسين يتعاونون معًا من أجل حياة رسولية فى قلب العالم. كذلك تقوم رسالة البرادو على إعداد مدرسين صالحين للتعليم المسيحى، وتنشئة كهنة فقراء لتبشير إخوتهم من المحتاجين، وقد تولى الأب جوزيف مارى رئاسة الرهبنة بمصر حقبة طويلة. بيت الأب جوزيف ماري بيت الأب جوزيف ماري بأسيوط كان مفتوحًا علي مدار اليوم للزائرين حتي آخر لحظة في حياته علي الأرض، فكان يسكن في شقة تتكون من غرفة للنوم وبنفس الغرفة مكتبة ضخمة تحتوي علي 5000 كتاب بـ 4 لغات كان يتقنها (اللغة البولندية – اللغة العربية – اللغة الفرنسية – اللغة الإيطالية) وكان يطلق عليها عرين الأسد، وكان لا يسمح لزواره بدخولها إلا نادرًا وفي حالات مرضه الشديد وعدم قدرته علي القيام من سريره، والغرفة الثانية كانت عبارة عن "كابيلا" للصلاة، بها بيت للقربان، ومذبح صغير يحتفل فيه بالإفخارستيا مع زواره، وصاله استقبال صغيرة يستقبل فيها الزوار.
وعلي رغم من تقدمة في السن إلا إنه وبلا منافس الكاهن الأكثر قربًا لقلوب الشباب في أسيوط، فالكثير منهم اعتادوا أن يمارسوا سر الاعتراف علي يديه، ويقصدونه لطلب المشورة في حياتهم الشخصية.
إلى جانب إنه كان يصلي دائماً القداسات للراهبات الهنديات، واختارته السلطة الكنسية ليصبح مرشدًا للجيو ماريا لعقود طويلة. وفاته تدهورت في الشهور الأخيرة حالته الصحية؛ ودخل المستشفي عدة مرات، ولكنه كان يرفض أن يبقي بها، ويريد أن يبقي في منزله، وظل يستقبل الناس في بيته إلى أن انتقل إلى السماء صباح يوم الأحد 7 فبراير 2016 عن عمر يناهز 91 عامًا قضى قرابة 65 منها في خدمة إيبارشية أسيوط، وزار فيها كل رعايا الإيبارشية وزار أيضا كل الدول العربية.
وترأس صلاه الجناز الأنبا كيرلس وليم مطران أسيوط، والذي كانت تربطة بالمتنيح الأب جوزيف ماري علاقة قوية جدًا
لقد انتقل الأب جوزيف ماري عن عالمنا، ولكنه يعيش في قلوبنا بحبه، وعقولنا بتعليمه.
والموقع إذ يتقدم بتعازيه لنيافة الأنبا كيرلس وليم مطران أسيوط، ولكل الأباء البرادو، ولسائر الأباء والرهبان والراهبات، وجميع أفراد شعبنا الذين كانوا يجدوا في الأب جوزيف مارى الأب الروحى، والمرشد لهم، ولجميع محبيه .. كسبنا في السماء شفيعًا .. أبونا جوزيف صلي من أجلنا ستبقى ذكراك، وتعاليمك، وإرشاداتك، وكالماتك، ومحبتك باقية في قلوبنا .. هنيئا لك ملكوت السموات أدخل إلى فرح سيدك.
عن موقع كنيسة الإسكندرية الكاثوليكي للأقباط الكاثوليك بمصر
http://coptcatholic.net
تضرعي لأجلنا يا والدة الله القديسة ... لكي نستحق مواعيد المسيح